توتر الأوضاع في موسكو عقب اختفاء بوتين واغتيال نيمتسوف (أرشيف)
توتر الأوضاع في موسكو عقب اختفاء بوتين واغتيال نيمتسوف (أرشيف)
الخميس 26 مارس 2015 / 22:48

ذا غلوب آند ميل: سلوكيات بوتين الغامضة أدت إلى فوضى عارمة بالبلاد

24 - إعداد: ميسون جحا

رأت صحيفة ذا غلوب آند ميل، الكندية، أن حدثين لافتين وقعا في روسيا مؤخراً، يعطيان مؤشرات كبيرة عما يجري من وراء الستار في هذا البلد. فمن جهة غاب الرئيس فلاديمير بوتين عن الأنظار لمدة عشرة أيام، ومن ثم ظهر فجأة. ومن جهة ثانية جاء مقتل زعيم المعارضة الروسية، بوريس نيمستوف، في 27 فبراير (شباط) وسط ظروف غاية في الغموض. وكلا الحدثين يعطيان فكرة كافية كيف أصبحت روسيا بأكملها وترسانتها النووية معتمدة بشكل كامل على رجل واحد. ولكن هناك أيضاً مؤشرات أشد خطورة بشأن استخدام بوتين للشيشان في تنفيذ خططه.

صفقات سرية
وتشير الصحيفة إلى أنه في قلب تلك الأحداث، يكمن اتفاق شخصي وعتيق الطراز بين بوتين والديكتاتور الشيشاني رمضان قديروف. ويقال إن التوتر بين أجهزة أمنية روسية وبين قديروف، والذي يسيطر على ما بين 15 إلى 20 ألف جندي مسلح (عدد غير مسبوق خارج سلطة الدولة في التاريخ الروسي سوى في زمن الحرب الأهلية) واستخدمهم لدعم اعتداءات بوتين ضد أوكرانيا. ويصف البريطاني أستاذ الدراسات العسكرية السير لورنس فريدمان، هذه العلاقة بأنها "صفقة مع الشيطان"، وهي بالتأكيد تبدو كذلك. إذا أن كلا الرجلين ممسكان بخناق بعضهما الآخر. فإن بوتين (أو أي شخص يدعي أنه عمل لحسابه) قد يكون مسؤولاً عن قتل نيمستوف، ولكن بوتين ما زال بحاجة إلى خدمات قديروف، من أجل السيطرة على منطقة شمال القوقاز من قاعدته في غروزني.

عناصر منافسة
وتلفت الصحيفة إلى احتمال قيام عناصر منافسة من أجهزة الاستخبارات في موسكو، ممن لديهم كل الأسباب لكره قديروف، بتنفيذ الجريمة وإلصاقها به، وخير شاهد على ذلك الاعتقالات الفورية التي طالت عدة شيشانيين مقربين من قديروف، للاشتباه بقتلهم نيمستوف. ولكن إن كان التوتر بين الجانبين قد وصل إلى تلك المرحلة المتقدمة من الكراهية وتدبير المكائد، فإنه في ظل نظام يعتمد على إدارة الأزمات عبر الاغتيالات وأعمال الفوضى، فقد تجري تحولات غير متوقعة.

وتقول الصحيفة الكندية أن شيئان إضافيان برزا خلال الأيام الأخيرة. الأول كان عرض فيلم وثائقي للتفاخر بشأن غزو موسكو للأراضي الأوكرانية، وضمها إقليم القرم في العام الماضي، والذي قال فيه بوتين أنه كان مستعداً لوضع الأسلحة النووية الروسية في حالة التأهب. فما قيمة تعليق كهذا بعد عام من الحدث، ومن خلال فيلم دعائي، سوى في الدلالة على أن بوتين لم يعد أيضاً يهمه الكذب بشأنه؟. وأما الشيء الثاني الأكثر أهمية، فقد ظهر من خلال مناورة خاطفة نفذها قرابة 38 ألف جندي روسي في أقصى الشمال القطبي من روسيا، والتي إن دلت على شيء فلم تكن أكثر من كونها إشارة للسخرية من قوة قوامها 5000 آلاف جندي نورويجي شاركوا في تمارين الفايكينغ المشترك، والتي انتهت في 18 مارس (آذار).

رسالة واضحة
وتلفت ذا غلوب آند ميل إلى أخذ المحلل السياسي بافيل فيلغينجور، وهو غير مؤيد لبوتين، تلك المناورات الخاطفة بجدية بالغة في ظل الوضع الحالي لضخ المشاعر القومية الحماسية في روسيا. فقد قال "إن التمارين المفاجئة والهائلة التي نفذها الجيش الروسي قبل أيام، تحمل رسالة واضحة، وهي أن موسكو غير مستعدة للتراجع أو إلغاء حالة الاستعداد، وتهدد باستخدام القوة، بما فيها الأسلحة النووية".

وترى الصحيفة أن المشكلة بشأن التمارين العسكرية الاستعراضية كونها تظهر قدرة العدو وما يتدرب بشأنه، ولكنها تبقى مجرد تمارين، إلى أن تصبح شيئاً واقعاً. وخير مثال على ذلك ما جرى خلال قمة مجموعة العشرين التي عقدت في بريسبان في نوفمبر (تشرين الثاني) 2014، عندما أرسل بوتين أربع بوارج حربية إلى المنطقة، وتجاهلها الجميع، ودارت عدة دورات في المنطقة ثم عادت إلى روسيا. ولكن يمثل التمرين الحالي خطورة أكبر لأنه يشتمل على مشاركة قوة كبرى في منطقة قد تشهد نشر قوة تقليدية.

خوف حقيقي
وترى الصحيفة أن الخطر الفعلي يكمن في وقوع حادث، وخاصة بسبب اندفاع روسيا نحو نشر قاذفاتها الاستراتيجية في أجواء البلطيق. ولا يعرف فيما إذا كانت تلك القاذفات تحمل أسلحة نووية، ولكن التحليق وسط أجواء تشهد حركة طيران كثيفة أمر يدعو للقلق. فما الذي يمكن أن يحدث في حال وقع حادث (إلى جانب تحميل الجميع المسؤولية، وخاصة الناتو)، شيء غير معروف، لأنه لا أحد على علم بالنية المسبقة.

عالم محفوف بالأسرار
وتلفت الصحيفة إلى تركز المشكلة في روسيا تحت سلطة بوتين في عدم معرفة أي شيء عن هذا البلد، وهو حال مشابه لما شهده إبان العهد السوفيتي الذي أدمن السرية والتضليل واللجوء إلى العنف الشديد، ولكنه ظل أيضاً تحت سلطة جامعة محافظة تمثلت في الحزب الشيوعي. لكن في الوقت الحالي، ليس هناك مدير فعلي لهذه الآلة من السرية، بل هناك كتلة متناحرة متنافسة على السلطة.

وتختم الصحيفة رأيها بأن التمارين تبقى مجرد تمارين إلى أن تصبح فجأة حقيقة. ولكن يبقى شيء واحد جدير بالاهتمام، وهو أنه منذ اعتلاء بوتين سدة السلطة في روسيا في عام 2000، لم يواجه بعد مشكلة، باستثناء الاقتصاد، لم يستطع حلها سوى بالقوة. إنه عالمه مليء بالحلول العسكرية.