الثلاثاء 14 أبريل 2015 / 13:10

اليرموك.. مؤجل حتى إشعار آخر



لا تلوح أية بادرة لإنهاء مأساة مخيم اليرموك الفلسطيني في جنوب دمشق، ولن يستطيع من بقي حياً في المخيم أن يفعل شيئاً غير الصبر أو الموت جوعاً وعطشاً، فلا أحد الآن معني بتحرير اليرموك أو إنهاء حصاره، ولا أحد يستطيع الآن أن يتخذ خطوة عملية في هذا السياق، لأن الدخول إلى سوريا في هذه اللحظة السياسية المشتعلة يعني التورط في الصراع فيها، وهذا ما لا يحتمله أي من القوى الفاعلة والقادرة في الإقليم.

قبل اليرموك واجه تل الزعتر في لبنان مصيراً مماثلاً حين اجتاحته قوى الأصولية المسيحية برعاية الجيش السوري وحمايته، وعاش مخيما صبرا وشاتيلا أبشع مجازر العصر بسلاح اليمين المسيحي والحليف الاسرائيلي وبغطاء النظام السوري أيضاً.

الآن، يواصل النظام السوري، وإن بتكتيك مختلف، مسلسل سحق المخيمات، حين يفتح الثغرات لداعش وجبهة النصرة وغيرهما من منظمات الارهاب الظلامي للوصول إلى المخيم وإبادته ويشارك في حصار اليرموك وتضييق الخناق على أهله، لكنه يستبدل صمته في تل الزعتر وفي صبرا وشاتيلا بخطاب اتهامي انفعالي لخصومه من ارهابيي المنظمات الأصولية.. وهكذا يتوزع الدم الفلسطيني على القبائل السياسية والإرهابية المشتغلة والمنشغلة في الحرب المجنونة في الشام.

وفي خضم التحولات الكبرى في الإقليم تغيب مأساة اليرموك عن صدارة الاهتمام السياسي والاعلامي وكأنها حادثة سير. فلا أحد معني الآن حتى بتوظيف مأساة المخيم كورقة ضغط سياسي على نظام دمشق أو على إرهابيي الجاهلية الجديدة، ولا تبدو قضية المخيم قادرة على منافسة ملفات أخرى كتحالف دمشق مع حزب الله وإيران، والموقف الأمريكي الجديد من النظام الحاكم في سوريا واحتمالات التغيير بمشاركته وفي ظل وجوده، والحرب الدائرة في اليمن، والحروب المتواصلة في العراق، والجنون المشتعل في ليبيا.. والهدوء المستفز في أروقة السلطة الفلسطينية.

ليس أمام اليرموك إلا الصبر والصلاة.. لكن الصلاة يقطعها الجوع والوجع وحسرة الفقد.

في ظروف أخرى غير هذا الجنون الذي يجتاح نصف خريطة العرب، كانت المخيمات الفلسطينية تواجه الإبادة وحيدة، وكان أنظار العرب تتجه إلى اسبانيا حيث مباريات كأس العالم لكرة القدم، وقد انقسم العرب بين مؤيد لإيطاليا ومؤيد لألمانيا، ولم يكن لصبرا وشاتيلا من يهتم بهما.

الآن، وقد صار القتل والسحل والحصار وهدم البيوت على رؤوس من فيها مشاهد مألوفة ويومية في الحياة العربية، لا يتوقع الفلسطينيون من العرب أن يهبوا للدفاع عن اليرموك أو حتى تهريب أهله إلى ملاذات آمنة.. في الواقع لا ملاذاً آمناً للفلسطيني في المنطقة الآن.

يبدو ما يجري في اليرموك وكأنه قدر لا مفر منه، ويبدو وكأن السلطة الفلسطينية وشركاءها في النظام العربي الذي تنتمي إليه بقناعة واحترام للتقاليد تأمل في نهاية سريعة لهذا الوضع المحرج وإغلاق ملف اليرموك حتى لو كانت النهاية تسويته بالأرض.

صحيح أن هناك قتلاً وسحلاً وحصاراً وجوعاً في المخيم.. لكن قضية اليرموك مؤجلة حتى إشعار عربي آخر.