الأحد 26 أبريل 2015 / 09:45

مدار العنف الطائفي



رغم التحشيدات العسكرية والتعويل على سلاح جديد والخطاب الحماسي وتضخيم الانتصارات الملتبسة والمبررات المحتملة لإطالة المعركة خسرت الحكومة العراقية حربها في الأنبار قبل بدايتها.

فمن خلال أدائها تكشف دائرة صنع القرار العراقي عن تصور مواجهة يكاد أن يقتصر على محاولة دحر داعش واعادة ترتيب البيت بناء على موازين قوى جديدة تتمخض عن المعارك.

أخطر آفات هذا الفهم ضيق حساباته وخلوها من تصورات لتأثير إفرازات جانبية ستكون حاضرة بعد الحسم في حال حدوثه وصعوبات إعادة بناء الثقة بين العراقيين مع تراكم مثل هذه الإفرازات .

فلم يتوقف القائمون على الحملة العسكرية عن محاولة توفير مبررات مشاركة "الحشد الشعبي" في معركة الأنبار للتغطية على عجز القوات النظامية، رغم فشلهم الذريع في تسويق ذرائع تجاوزاته او التقليل من النقمة التي خلفها في تكريت .

الإجراءات التي اتبعتها الحكومة العراقية في التعامل مع مواطنيها الفارين من الموت في الأنبار بحثاً عن ملاذات آمنة لم تبتعد عن هذا السياق، وقد يكون أكثرها إثارة للتندر اشتراط إيجاد كفيل لدخول العاصمة ففي الأحوال الطبيعية يتم اعتماد مثل هذا الشرط لدخول الأجانب وليس أبناء محافظات البلد الواحد .

ولم يكتمل المشهد بالريبة التي أثارتها دعوة رئيس الحكومة العراقية إلى إسكان لاجئي الأنبار في سجن أبو غريب سيء الصيت وتهديد مليشيات طائفية للبغداديين بالويل والثبور في حال استضافتهم للاجئين، فقد سبق للحكومة العراقية أن سعت إلى توفير الأعذار للتهرب من تنظيم وتسليح العشائر السنية في مناطق انتشار داعش رغم إثبات تجربة "الصحوات" قدرتها على القيام بما عجزت عنه القوات الحكومية خلال حربها مع القاعدة.

في المقابل لم تتوان الأجهزة الحكومية العراقية من قبل عن تبرير استعراضات قاسم سليماني الإعلامية ودور المستشارين الإيرانيين في الحرب على داعش وطريقة دخولهم إلى العراق .

على ضوء هذه الإجراءات وغيرها يمكن التقاط ما يوحي بفشل رهان تغيير ذهنية إدارة الأزمة الداخلية العراقية التي تتحمل القدر الأكبر من مسؤولية الاحتقان الطائفي.

فقد كان واضحاً على مدى الأشهر الماضية أن الذهنية التي تحارب داعش في الأنبار تقوم على انعدام ثقة الحكومة العراقية بالمكون السني، إصرارها على التعامل معه باعتباره فضاء ديموغرافياً للتطرف المذهبي، تجاهل مساعدته حين يحتاج المساعدة، واستعدادها للاستقواء عليه بالمكون الشيعي إذا اقتضت الحاجة .
الإجراءات التي تتمخض عن ذهنية بهذه المكونات تبقي الحكومة العراقية عرضة لاتهامات بالطائفية ولا تترك مجالاً لتجنب ردود افعال العرب السنة بعد وضعهم بين فكي كماشة داعش والحشد الشعبي والتخلي عن مسؤولية إغاثتهم .

وبذلك تتحول الحرب في الأنبار من محاولة للقضاء على داعش إلى وصفة أخرى لتطرف مذهبي يدفع فاتورته السنة والشيعة معاً ومناخات خصبة لإدامة العنف وإعادة انتاج حواضن لمتطرفين جدد.

إخفاق إدارة معارك الأنبار في تحديد طبيعة حربها، ومحاولتها الجمع بين الحروب التي تخاض ضد عدو خارجي وحملات الإخضاع القسري لأقليات متمردة، يضيف أخطاء أكثر خطورة لأخطاء فصول سابقة من حروب مماثلة أعادت إنتاج ظواهر التطرف والعنف بدلاً من إنهائها، مما يبعد المواجهات العسكرية الجارية في غرب العراق عن احتمالات الحسم ويبقيها محطة على طريق طويل من العنف المفتوح على المجهول.