الإثنين 27 أبريل 2015 / 19:29

غداً تتحرّر سيناء



أكادُ أراه. آخر جنديّ إسرائيلي يبرحُ أرضَ سيناء الطيبة ويمضي منها إلى حيث يمضي، بلا عودة. منذ ثلاثة وثلاثين عاماً نجح المصريون في انتزاع أرضهم الطاهرة، التي وطأها الأنبياءُ والرُّسل، من قبضة صهيون الآثمة التي اقتنصتها منّا بعد هزيمة حزيران الأسود. وما بين لحظة سقوطها في ٥ يونيو ١٩٦٧، ولحظة استردادها يوم ٢٤ أبريل ١٩٨٢، أنهارٌ من الدماء وسيول من الويل في حرب استنزاف ومعارك تحرير وتحوّل في الاستراتيجية العسكرية المصرية من مرحلة الصمود إلى مرحلة الردع، وانتصار مصريّ عربي، وملحمة عبور مشهودة، وهدم لأسطورة خط بارليف المنيع، وانهيار للكيان الصهيوني، ومحاولات أمريكية شرسة لإنقاذ إسرائيل ابنة أمريكا المدلّلة، وتدخّل من مجلس الأمن الدولي لإنهاء المعارك ووقف صمام الدم، ومباحثات عسكرية سياسية دولية، لندخل في مرحلة المفاوضات من خيمة الأمم المتحدة عند الكيلو ١٠١ طريق القاهرة-السويس، أسفرت عن تحرير ٨٠٠٠ كم٢ واسترداد منطقة المضايق الاستراتيجية وحقول البترول على طول الساحل الشرقي لخليج السويس، ومعاهدة سلام لم يرض عنها المصريون ولا العرب انتهت بانسحاب إسرائيل الكامل من خط العريش ورأس محمد وتحرير ٣٢ ألف كم٢ أخرى من سيناء بما يكافئ ثلثي مساحة سيناء، إلى أن تم الانسحاب الكامل من سيناء، ما عدا طابا، حتى خط الحدود الدولية بتحرير ٢١ ألف كم٢ إضافية في ٢٥ أبريل ١٩٨٢. ثم رُفع علمُ مصر العزيز فوق سيناء الحبيبة.

لكن مصرَ لم تكن تعرفُ أن مُحتلاً جديداً سوف يكون علينا أن نُجليَه عن أرض سيناء بعد عقود وعقود، في حرب هي الأشرس عبر تاريخها العريق. لكن محتلَّ اليوم لا يشبه محتلّ الأمس. حربنا مع صهيون كانت حرباً نبيلة تتبع أجرومية وأدبيات الحروب كما عرفها التاريخ. لأن العدو واضحٌ وأرض النزال معلومة. العدو الصهيوني يحمل سمتاً محدداً مختلفاً عن سمتنا المصري والعربي، ويتكلم لغة محددةً مختلفة عن لغتنا، ويرتدي في النزال زيّاً واضحاً مختلفاً عن زيّنا العسكري. وحربنا مع صهيون على أرض حدودية مخصصة للحرب، في منأى عن الآمنين في ديارهم. بينما حربنا اليوم حربٌ يعوزها المنطق والنبل لأن العدو، للأسف، من بني جلدتنا. ملامحُه تشبه ملامحَنا، ولسانُه عربيٌّ كلساننا، ويتخفّى وراء أقنعة مثل اللصوص. ويزعم، للأسف، أنه يدين بديننا، ثم يستحّلُّ دماء أبنائنا وأموال بلادنا ويهدم مؤسساتنا ويُروّع آمنينا ويشرّد الساكنين عن ديارهم، ويزرع الحزن والثكل واليتم في كل دار من دور مصر الحزينة.

سيناءُ عادت، بعد حريتها، للاحتلال بمُحتلّ جديد من الإرهابيين مصاصي الدماء الذين لا يدينون بدين يُحرّم الدم ويحترم العرض والأرض، ولا يعرفون الله الذي أمر البشر بالجنوح للسلم، ولا يدركون أبسط مبادئ الإنسانية التي فرضت على بني الإنسان شرائعَ وقوانينَ ولوائح دُونت منذ فجر التاريخ على جدران الكهوف والبرديات والحفريات ثم المعابد، تحضُّ الإنسان على المُثُل والأخلاق والعدل وحُرمة الدم. محتلّ سيناء الراهن يسكن الكهوف مثل الخفافيش العمياء التي تكره النور، ويقفز من ثنايا الأنفاق كما الحداءات الخاطفة وينشب الأنياب في الأجساد مثل الضواري الناهشة، ولا يستهول مرأى الدم المُراق من الأعناق البريئة ويستحلّ استلاب دور الآمنين وسحق براءة الأطفال بعد انتزاعهم من دفء حاضناتهم.

أمس، ٢٤ أبريل، احتفلنا نحن المصريين بعيد تحرير سيناء واسترداد آخر شبر فيها من قبضة صهيون، لكن عيدنا الحقُّ قادمٌ لا شك فيه، يوم نستردها من قبضة الإرهاب الإخواني التكفيري الدموي الآثم. وطوبى لجيش مصر العظيم حين يأتي لنا بهذا اليوم، يوم تحرير سيناء الحقيقي.