الاستطلاع الذي أجرته الجزيرة عن تأييد داعش ( الجزيرة)
الاستطلاع الذي أجرته الجزيرة عن تأييد داعش ( الجزيرة)
الأحد 24 مايو 2015 / 13:52

الجزيرة تستبدل استطلاعاً يروج لـ "انتصارات" داعش باستطلاع لا يقل سوءاً عنه

24 - سليم ضيف الله

مواكبة للحدث السياسي الذي تشهده المنطقة عادت الجزيرة إلى تقديم درس مجاني آخر في "الموضوعية المهنية" و "الحياد الإعلامي" اللذين ميزا هذه القناة، باستطلاع للرأي يتواصل على ما يبدو بين 23 و29 مايو(أيار)، عن المعارك الدائرة في العراق بين داعش والقوات العراقية، لتكون حصيلة التصويت على سؤالها البسيط: "هل تؤيد انتصارات تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا؟" 82 % ممن يعتبرون أن تنظيم داعش "منتصر" بالفعل.

ورغم اختفاء السؤال من موقعيها العام والإخباري، إلا أن قراءة سريعة في نتائج هذا الاستطلاع، تُشعرنا بالرعب للحظة بعد موافقة حوالي 82% من المشاركين في الاستطلاع، على السؤال المطروح أعلاه.

ولكن لماذا يُعتبر هذا الاستطلاع مفيداً الكشف عن طريقة تعامل مع الرأي العام وتوجيهه و بالمناسبة الكشف عن بعض تفاصيل الوجوه الكثيرة للجزيرة؟

جمهور الجزيرة؟
بالنظر إلى الاستطلاع وإلى السؤال نفسه، وبقراءة طريقة الطرح ووجهته، هل كان بالإمكان الحصول على إجابة مختلفة؟ ربما لم تكن النتيجة تختلف كثيراً لكن المهم في هذا الاستطلاع، ليس نتيجته، بقدر أهمية تعامل الجزيرة معه، إذ كان من السهل عليها، أن تختصر، الأمر بالقول، إن 82 % من جمهور القناة أو موقعها هم في الواقع من الدواعش أو المتعاطفين معه، لكن أن تدس السم في العسل باستعمال حقنة طبية وعلمية، فذلك أمر مختلف تماماً ويستدعي الوقوف عنده بعض الشيء.

إن من درس علم الإحصاء أو تعامل مع استطلاعات الرأي ولو سطحياً، يُدرك دون مشقة، كيف يمكن للسؤال أن "يُوجه" الرد، وأن يُغير من حقائق الأشياء بالاعتماد على تقنية السؤال، فقط، وهو ما يعرف بين أهل الاختصاص بالسؤال الموجه، او نصف الموجه، أو متعدد الإجابات.
وإن واضع السؤال في كل الحالات، يتوقع نتيجة الردود الممكنة عليه، في أغلب الأحيان، أو على الأقل يتصور أكثرها شيوعاً أو احتمالاً ما يجعله مطالباً باختيار كلماته ومفرداته، بعناية شديدة.

بروباغاندا
وفي الدعاية السياسية والبروباغاندا، تحتل الأسئلة الموجهة، ونصف الموجهة أولوية مطلقة، بما أنها تسمح بالحصول على أرقام مرتفعة قياساً بالأسئلة المختلفة، كل ذلك تحت غطاء الشرعية العلمية التي يرقى إليها شكّ.

واعتماداً على ما تقدم، اختارت الجزيرة، ما يُسمى في الاستطلاعات بطريقة السؤال المُوجه والذي لا يحتمل أكثر من نعم أو لا ، ما يُعتبر من آليات قياس الرأي البسيطة والناجعة، لكن فقط عند التعامل مع المُعطيات العامة الواضحة أو المحسومة سلفأ وغير الشخصية أو ذات بعد شخصي كما في سؤال الجزيرة.

ولكن وبعيداً عن نقد المنهجية، فإن ذلك لا يشفع لهذه المناورة لترتقي إلى المصداقية، في ظل افتقار الاستطلاع الذي استبق الرد، باختيار مفرداته بعناية شديدة: "انتصارات" و"دولة" و"تأييد" ليعطي ولو نفساً بسيطاً من العلمية على السؤال المطروح.

إن "استسهال" هذه العمليات، لا يكشف في الواقع سوى عن تقاطع جديد بين الجزيرة، وبين سفينة داعش التائهة أو الجانحة، وسط هذا المحيط من المسلمين ومن العرب، الذين قد لا يُشاركون بالضرورة العالم نظرته للأشياء والقيم والمعايير والعلاقات بين البشر أوالشعوب والثقافات والحضارات، ولكنهم حتماً لا يرضون الزج بهم بمثل هذه الفجاجة في زمرة المؤيدين لداعش، وبهذه النسبة الستالينية: 82%، والأرجح أن هذه الفجاجة بالضبط، وردود الفعل المسلمة والعربية المنزعجة، هي التي دفعت القناة بالنهاية إلى رفع الاستطلاع عن موقعها، واستبداله بآخر لا يقلّ سوءاً عنه: "هل تعتقد أن انتصارات تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا والعراق تخدم المنطقة العربية؟".