الشيخ زايد بن سلطان يمين الصورة مترئساً أول اجتماع لمجلس التعاون أبوظبي في 25 مايو 1981 (أرشيف)
الشيخ زايد بن سلطان يمين الصورة مترئساً أول اجتماع لمجلس التعاون أبوظبي في 25 مايو 1981 (أرشيف)
الإثنين 25 مايو 2015 / 13:10

مجلس التعاون الخليجي.. 34 سنة من النجاح والمواجهة

24- سليم ضيف الله

تمضي الأحداث في عصرنا بسرعة لا تُضاهيها إلاً سرعة النسيان، ففي مثل هذا اليوم قبل 34 سنة، تداعت قيادات الخليج إلى أبوظبي، تلبية لدعوة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، الذي ما أن اطمأن إلى رسوخ، وعلو كعب مشروعه الوطني الذي رأى النور قبل أقل من عشر سنوات، حتى التفت إلى البعد الإقليمي للإمارات، ليُباشر بتحصينه ضد التهديدات الكبرى التي كانت تُحدق بالمنطقة، ودفعت بها إلى حافة منحدرٍ خطيرٍ أو كادت.

وإذا كان النسيان نعمة وقت الشدة، فإن  الذكرى والعبرة أعظم فائدةً بلا شك في كل الأوقات، خاصة عند الذين لم يواكبوا الحدث أو ضاع منهم في زحمة ذكرياتهم القريبة أو البعيدة، أو الذين يشغلهم حريق الساعة عن النظر إلى الأمور برصانة.

رؤية
إن الحريق المُستعر في اليمن هذه الأيام، يكاد يحجب الرؤية عن الجميع، لكنه لم يمنع البعض من اختراق سحب الدخان، ولو من مثواه الأخير، كما فعل الشيخ زايد وقادة الخليج الذين شاركوه الوعي بالمخاطر التي أحدقت بالمنطقة، وإن تغير شكلها أو تهديدها، وذلك منذ 25 مايو(أيار) 1981، بالإعلان عن تأسيس مجلس التعاون لدول الخليج العربية، الساعية للتكامل وصولاً إلى الاتحاد، كما تؤكد الوثائق المؤسسة والأدبيات المنبثقة عنها منذ ذلك التاريخ المميز، وخاصة المادة الرابعة من نظامه الأساسي.

لم يكن المشروع الذي ظهر في 1981، وليد صدفة أو ترفاً سياسياً، بل رداً عملياً على تحدياتٍ كثيرةٍ عرفتها المنطقة في ذلك التاريخ، في أوج الحرب العراقية الإيرانية، والتحديات الرهيبة التي رافقتها، عسكرياً وسياسياً واقتصادياً وثقافياً، و"وجودياً" بعد أن أصبحت المنطقة بين سندان صدام حسين في بغداد، ومطرقة الخميني في طهران.

تحديات خطيرة
وفي الوقت الذي كانت الحرب تدمر العراق وإيران، فإن المتضرر البريء كان دول الخليج، بسبب العنف الذي ضرب الإقليم في ظل "العنفوان الثوري" و سياسة "تصدير الثورة" الإيرانية في سنواتها الأولى، فدفعت عواصم خليجية الكويت والمنامة ضريبتها، من أمنها واستقرارها، على شكل تفجيرات واغتيالات، وابتزازات صدام "الأمنية والمالية".

وبالتزامن مع ذلك كانت سلطنة عمان، تتعافى من صدمة تمرد ظفار والحرب والعنف الذي رافقه قرابة عقدين من الزمن، وتواصل حتى 1975، بدفع من بعض القوى الدولية والإقليمية، مثل موسكو وعدن وطرابلس الغرب، وكانت السعودية مكلومةً بعد أزمة الحرم المكي الشهيرة، والهجوم المسلح على الحجيج واحتجازهم من قبل جهيمان العتيبي وجماعته من مجانين "المهدي المنتظر".

وإذا كانت يد القذافي ورجله في المستنقع "الظفاري" يومها واضحةُ، فإن التمدد اليمني في المنطقة لم يكن أقل خطورةً، والمقصود باليمن في الحالة العمانية وقتها، فاليمن الجنوبي الشيوعي قضّ، بتدخلاته وبتمويله وتدريبه وتسليحه متمردي ظفار، مضاجع المنطقة والعالم بأسره، بسبب انخراط عدن في معركة كسر العظام الدائرة بين واشنطن وموسكو، في واحد من آخر فصول الحرب الباردة.

وإذا كانت المنطقة في بداية الثمانينات من القرن الماضي بهذا التعقيد، فهل نستغرب مبادرة الشيخ زايد بالدعوة إلى اجتماع أبوظبي، ودفعه وحرصه على تصريف الجهود جميعها بما يُحصن المنطقة ضد الأخطار المتنامية، والرد عليها بما يُناسب التهديد والخطر على دول المنطقة ومستقبل شعوبها؟

ما أشبه اليوم بالبارحة
اليوم بعد مسيرة أربع وثلاثين سنة، يكفي النظر إلى هذا البناء الخليجي الحصين لإدراك أهمية الخطوات المقطوعة وصواب الخيارات المنبثقة عنه، بالنظر إلى الامتحانات الكثيرة التي واجهتها ولا تزال المنطقة، اليوم بعد الأمس، وما أشبه اليوم بالبارحة.

وبالنظر إلى التحدي الإيراني القائم على ضفاف الخليج، في انتظار حسم الملف النووي، وبصمات طهران في الضفة الجنوبية للخليج خاصة في المنامة، و في اليمن الذي فقد سعادته في انتظار أن تُرمّم عاصفة الأمل بعضاً من آمال شعبه المغلوب على أمره، بقرار إيراني ومباركة داخلية وخارجية ممثل الزيت الذي يصبه حزب الله اللبناني على الحريق اليمني، كما العراقي أو السوري.

آفاق خليجية
ربما لن يدرك المتأمل في هذه الرحلة الخليجية، من الوهلة الأولى خطورة مبادرة الشيخ زايد هذه ومباركة قادة الخليج، في ظل التحديات التي تستمر في التناسل حتى لكأن الرحم الذي يلدها بئر بلا قاع، فلا الجرح اليمني اندمل، ولا العراق استعاد عافيته بعد4 عقودٍ من الدكتاتورية المقيتة، والطائفية السوداء وتوأمها الإرهاب، ولا الشام أزهر ربيعه، ليُنبت طوائف متآلفة ودولة حديثة لمواطنيها جميعاً.

وإذا مددنا البصر إلى ما أبعد من المنطقة أو دائرتها المباشرة، فإن الريح التي تهب على بحر العرب، لا تُبشر دوماً بإبحار هادئ بسبب العواصف التي تنفجر كل فترة في باكستان وفي أفغانستان، أما على الجانب الآخر، فإن أخبار باب المندب والقرن الإفريقي، كفيلة وحدها بالتسبب في أزمة نفسية عميقة بسبب "الشباب" في الصومال وقراصنة المضيق.

ورغم ذلك لم تمنع السحب الثقيلة المتراكمة أصحاب الإرادة منذ 34 سنة من التمتع بحسّ استراتيجي مُرهف، فشمروا على ساعد الجد وحصنوا الدار، لتكون اليوم مضرباً غير قابل للاختراق.

رفع التحديات
ويكفي اليوم النظر إلى ملامح هذا الكيان الصلب، لندرك أن الرضيع الذي وُلد في أبوظبي، نضج بما يكفي وتحول شاباً يتقد حيويةً وقوةً، لا يهاب التحدي ولا يحني الظهر للريح أبداً، وهو الذي أقام كياناً صلباً وبنياناً شامخاً بفضل شبكة العلاقات المعقدة والوثيقة التي أقامها بين الدول الست، في كافة مجالات التعاون والتكامل الاقتصادية والمالية والتجارية والتربوية والثقافية، والاجتماعية والصحية، وغيرها والتي جعلت من دول الخليج ومن مجلسها أبرز هيكل إقليمي، وأنجح تجربة عربية في التعاون والتكامل، في انتظار استكمال الوحدة الخليجية، التي تظل الهدف الاستراتيجي لهذا المسار.