الخميس 28 مايو 2015 / 11:47

نصر الله ومقاربة خطر داعش



بمناسبة الذكرى الـ15 لتحرير الجنوب اللبنانيّ من الاحتلال الإسرائيليّ، ألقى أمين عام حزب الله حسن نصر الله خطاباً بالغ الحدّة، عجّ بالتهديد والوعيد. وكان قد مهّد له قبل يومين بخطاب أكثر حدّة ووعيداً، سرّبته صحف قريبة من الحزب. فهو، باسم مقاتلة القوى التكفيريّة في سوريّا، طالب اللبنانيّين بالانضواء في عباءته وتبنّي أقواله وسياساته. أمّا الذين لا يفعلون فعرضة للتخوين الذي لا يقبل الهوادة.

ولئن تخوّف البعض من أن يمهّد هذا الكلام التصعيديّ لتدهور أمنيّ، وربّما لتجدّد الاغتيالات، أو اجتياح بلدة عرسال في البقاع، بدا لكثيرين أنّ ما يجري في سوريّا هو مصدر هذا الكلام التهويليّ الخطير.

فالحزب، الذي انخرط في الحرب هناك قبل أن تنشأ "داعش" وأن تقوى "النصرة"، بدأ يتلمّس الآثار الفقيرة التي ترتّبت على مشاركته العسكريّة والأكلاف البشريّة التي بذلها. فإذا صحّ أنّ الحزب نجح في إنجاد النظام السوريّ، إلاّ أنّه لم ينجح في تعديل توازن القوى لصالحه. يكفي القول إنّ ذاك النظام لا يسيطر راهناً على أكثر من خُمس المساحة السوريّة. وإذا صحّت بعض التقديرات القائلة إنّ الإيرانيّين والروس استنفدوا قدرتهم على دعم النظام، لا بل إنّ بعض دعمهم قد تقلّص، جاز الافتراض أنّ تسقط دمشق قريباً في أيدي خصوم الأسد وأن يسقط النظام تالياً، أو على الأقلّ بات افتراض كهذا محتملاً جدّاً.

ومعروف أنّ حزب الله بوصفه "حزب الوعد الصادق"، ونصر الله بوصفه "رجل الوعد الصادق" لا يحتملان، حيال جمهورهما، النكث بهذا الوعد في سوريّا، خصوصاً وأنّ الهزيمة، إن حلّت هناك، ستكون مطنطنة بما يستحيل معه إخفاؤها أو تحويرها إلى نصر إلهيّ.

وعلى ما يبدو فإنّ حزب الله يعمل على استباق هذه النتيجة عبر إطاحة المعادلة اللبنانيّة كما اشتغلت منذ 2011، أي التحييد النسبيّ لبيروت ومناطق واسعة في الداخل اللبنانيّ، سيّما وأنّ هذا التحييد كان يوفّر للقوى المتصارعة خارج لبنان حاجات عدّة، منها الاقتصاديّ والماليّ ومنها السياسيّ والإعلاميّ. وفي حال اعتماد خطّة انقلابيّة كهذه فإنّ التطهير، أو على الأقلّ الإسكات، يبدأ بطائفة حزب الله، أي الطائفة الشيعيّة. فإذا لم يعد مسموحاً لأيّ من اللبنانيّين معارضة هذا الحزب ورفع الصوت في وجهه، فمن باب أولى أن يبدأ الزجر والمنع بالشيعة إذ "الأقربون أولى بالمعروف".

يبقى أنّ نقطة القوّة في خطّة كهذه هي "داعش" التي تقدّم للحزب الخصم النموذجيّ الصالح للتخويف به. فبين التخوين الذي يمارسه حزب الله والتكفير الذي يمارسه التكفيريّون ثمّة علاقة تكامل تجعل كلّاً من الطرفين شرطاً للآخر. والحال أنّ هذه الخطّة، وبسبب الفظائع التي ارتكبتها وترتكبها "داعش"، كفيلة بمخاطبة الكثيرين من اللبنانيّين الذين يستهولون أفعالها.

لهذا ستكون جدوى الردّ على حزب الله مرهونة بمدى القدرة على انتزاع ورقة "داعش" من يده. ذاك أنّ خصوم الحزب هم أيضاً خصوم "داعش"، بل هم خصومها المطلقون الذين، على عكس حزب الله، لا يرون في "داعش" شرطاً لوجودهم. غير أنّ هؤلاء يعتبرون أنّ مقاومتها تتمّ بوسائل أخرى أهمّها تعزيز الدولة اللبنانيّة والإجماع حولها، وهذا ما يعترضه، بالدرجة الأولى، سلاح حزب الله.