السبت 30 مايو 2015 / 09:32

كروش المشاهير



بقدر سعادتي بانتشار موضة الكرش عند نجوم هوليود بقدر حزني على غربة الحقيقة في واقعنا، ومع أن الناس يعلمون خطأ صنيع هؤلاء النجوم من الناحية الصحية إلا أنهم يتغاضون عن ارتباط الكرش بارتفاع ضغط الدم والسكر والكوليسترول والتسبب بأمراض شرايين القلب والدماغ والكلى، فضلاً عن قبح الكرش الذي يحول الإنسان الطبيعي إلى أحد الفواكه الموسمية.

انس ذلك كله، فسياسة الأمر الواقع هي المهيمنة، فقد وافقت الموضة واقع الناس المتمثل في الكرش المتكلس، ويبدو أن هؤلاء النجوم قد أصابهم الضجر من الحرمان الذي يُمارس عليهم من مدراء أعمالهم حتى يخرجوا في مشهد أو مشهدين وهم مفتولو العضلات وكروشهم قد تقمصت وضعية الـ "سكس باك" حتى تبتسم للكاميرا مرة واحدة، وربما أضاف المخرج بعض لمسات الفوتوشوب ليخرج هذا البطن في "أشد" حلة.

الحمدلله أننا لا نملك صوراً منحوتة لعظمائنا كما يملك البوذيون مجسمات متعددة الوضعيات لبوذا، وستبقى صورهم في مخيلتنا كأشخاص كاملي الأوصاف صقلت المعارك كروشهم على نحو ما نراه في رواد نوادي الـ "كروس فت"، ولا نشك أنهم قد أخذوا حاجتهم من البروتينات من لحوم الضأن والماعز والبقر والجمال التي كانوا يتناولونها في زمن شحت فيه الهرمونات الأنثوية وهرمونات النمو التي يتناولها رياضيونا اليوم، لكن بعض الإشارات التي نقلها لنا المؤرخون تبين أن التكريش كان من سمات الطرفة عندهم، فهذا الشافعي عندما يمتدح محمد بن الحسن الشيباني - أكبر تلاميذ أبي حنيفة - يقول (لم أر سميناً أخف روحاً من محمد بن الحسن) ولم ينقل لنا التاريخ رد الشيباني أو أحد تلاميذه على الشافعي مما يدل على كون الكرش عندهم من سمات الشخصية المحترمة، أما اليوم فهي قد تنحر علاقات الناس وقد تجرهم إلى ساحة المساءلة القانونية.

دعونا نركز قليلاً على نجوم هوليود حتى نكون خارج ذراع المحاسبة، يعتبر هؤلاء النجوم أعلى مشاهير العالم مكانة وصيتاً، ويجرى تخليد كل فرد منهم تلقائياً بمجرد عرض فيلمه في أحد دور السينما الذي ما يلبث أن ينتشر في أنحاء المعمورة بفضل العمالة الآسيوية والأقراص المقرصنة، وعلى غرار المفهوم الشائع للإله الموجود في "هوميروس" ، لا يرى أحد نجوم هوليود عياناً إلا ما ندر.

قد يعترض البعض بالقول إن الآلهة تعتبر آلهة في السر والعلن وهؤلاء ما هم سوى نجوم على الشاشة وليسوا سوى بشر خارجها، لكن لا يميز معظم المعجبين بين أي من ذلك كما يقول "روبرت سيجال" في كتابه (الخرافة)، ويشعر المعجبون بالإحباط عندما يعلمون أن الحياة الحقيقية لممثليهم المفضلين تبعد كثيراً عن أدوارهم ، فـ "مل جيبسون" لا يتميز بالطول الفارع الذي تم تصويره في فيلم "بريف هارت" ، و"روبرت ميتشوم" طلب أن لا يتوقع منه أحدهم وضع استراتيجية عسكرية في أحد المعارك البرية ، و"جريتا جاربو" فضلت العزلة بعدما صارت عجوزاً حتى لا تخدش صورتها الفاتنة أمام جماهيرها، وقد يفترض بعض المعجبين أن نجومهم محصنون ضد القانون، ويصابون بالصدمة عندما يقبض على بعضهم بسبب المخدرات أو السرقة أو البيدوفيليا.

هؤلاء النجوم صاروا آلهة حديثة ، ولا يصدق المعجبون الفرق بين "روك هدسون" النموذج المثالي للرجل الوسيم و "روك هدسون" الذي ذبل بسبب إصابته بالإيدز ، والناس تتنكر للعيوب ليس بسبب جهلها بها بل لأنهم لا يريدون معرفتها أو لا يعبؤون بها.

لاشعوريا ، يحث الذهاب إلى السينما على تأليه النجوم، إذ تحجب السينما العالم الخارجي المليء بالمنغصات والمستحيلات والمحرمات، وتستبدل به عالماً خاصاً بها حيث يكون كل شيئاً ممكناً، وصار الذهاب إلى السينما يشبه الذهاب إلى أحد المعابد الروحانية، يجد فيها المرء إلهه الذي يرتمي في أحضانه ليشكو له همومه ويروي له تطلعاته، وسأظل أرتاد السينما لأنها تأخذني بعيداً عن مآسي هذا العالم الذي يمقت بعضه بعضاً، والأهم من ذلك كله أنها تتسيني لوهلة مستقبل كرشي الذي لا أريد أن أعرف عنه شيئاً.