الثلاثاء 28 يوليو 2015 / 15:37

إلى أين تسافر الطيور العربية؟



لأرحلن المطايا رحلة عجباً *** يكون أدنى مداها الصين أو عدن

فكل خل إذا صافيته سكن ***وكل أرض اذا أحمدتها وطن

لطالما ردد المغتربون والمهاجرون والمسافرون السائحون هذه الأبيات يسلون فيها الأنفس عن مفارقة الأوطان والخلان، أو يمعنون في الهروب والابتعاد عن واقع لم يختاروه ولم يرتضوه، ورفضوا أن يتعاطوا معه، ولم يحاولوا أن يغيروه. وهكذا دائما يكون الحل الأسهل.. الهروب والانسحاب.

تجارب الهجرة عند العرب في العصر الحديث بدأها اللبنانيون، وربما يكون مفاجئاً أن تعلم أن عدد اللبنانيين في البرازيل يفوق عدد اللبنانيين في لبنان. وهم حين حمدوا أرض المهجر وطنا بديلا، فإنهم حضروا مؤثرين في عالم السياسة والمال والفن والأدب، ففي الأدب وصل تجديدهم للأرض التي تركوها عبر أدب ابتدعوه وأبدعوا فيه وهو أدب المهجر. وفي السياسة حكموا، وفي المال سيطروا، وفي عالم الفن والجمال جعلوا من الجمال العربي ماركة عالمية.

المغاربة مهاجرون بامتياز، ويمكن القول إن روح ابن بطوطة ما زالت حاضرة في الأديب المغربي حين يهاجر أو يسافر، في المغرب ثمة وزير مغربي مكلف بالمغاربة المقيمين بالخارج وشؤون الهجرة وقد استمعت إليه ذات مرة في مؤتمر في الرباط، فكانت كلمته كلمة أديب ورحالة لا وزير، لا أستطيع أن أتصور أن أحداً يفوق المغاربة في الكتابة في فن أدب الرحلات، والدليل أنهم دائماً ما يكونون على منصات التتويج في جائزة ابن بطوطة لأدب الرحلة.

بعض العرب ممن يرون أن العالم هو العالم الآخر والبعيد والقاصي يهجرون بلادهم صيفاً للسياحة في أقطار شتى، ويبدو أنهم ربطوا قول الشاعر: "فكل خل إذا صافيته سكن" بما تشير إليه المفردة القرآنية "سكن" ولذا شاع عندهم زواج المصياف، وزواج المسيار، وزواج المسفار.

في الجانب الآخر، ثمة بقايا من العروبيين الأوائل الذي لا يرون من العالم إلا خريطة العالم العربي ويرددون وهم منطلقون في البلاد العربية "بلاد العرب أوطاني" لم يستطيعوا للأسف أن يورثوا هذا البيت لأطفالهم، وأصبح أطفال العروبة يرددون "بلاد الرعب أوطاني". فالطريق إلى صنعاء موحش وخطير ولو طال السفر، ودمشق التي دمشقوا في بنائها انقض بناؤها سريعا.

كل دروب السفر متاحة، ولا بد من الوصول للغاية وإن طال السفر، ولطالما بحث العرب الرحالة عن الأبعد والأقصى، ولو في الصين، أو أبعد من ذلك إلى حيث حطت رحلها أم قشعم. وأم قشعم هي الحرب، ويبدو أن العرب في هذا العصر لا يعرفون سوى هذا الدرب.