أكراد يلتقطون صورة أمام علم حزب العمال الكردستاني(رويترز)
أكراد يلتقطون صورة أمام علم حزب العمال الكردستاني(رويترز)
الثلاثاء 4 أغسطس 2015 / 12:03

فورين أفيرز: اتفاقية أنقرة ـ واشنطن غطاء تركي لمهاجمة الأكراد

24 - إعداد. ميسون جحا

قبل قرابة أسبوعين، انضمت أخيراً تركيا للحرب ضد داعش، وصاحب تلك الخطوة ضجة إعلامية كبيرة، وبدأت الحملة التركية بسلسلة من الضربات الجوية، وبواسطة سلاح المدفعية، لإجبار مقاتلي داعش المتواجدين على الأرض السورية على التراجع عن الحدود التركية التي تم إغلاقها أيضاً.

من الواضح أن الاتفاق الأمريكي ـ التركي بشأن قاعدتي إنجيرليك وديار بكر شمل أيضاً إقامة منطقة آمنة في شمال سوريا بالقرب من مدينة حلب وهو شيء لطالما طالبت به تركيا رغم رفض واشنطن

كما منحت حكومة أنقرة الولايات المتحدة إذناً باستخدام قاعدتيها العسكريتين في إنجيرليك وديار بكر، فاتحة القاعدتين لتنطلق منها طائرات التحالف الدولي لشن هجمات، وليس من أجل عمليات المراقبة وحسب.

انتصار كبير
وبحسب مجلة "فورين أفيرز" في نسختها الإليكترونية، عدت تلك الخطوة التركية بمثابة انتصار كبير لإدارة أوباما، والتي باشرت منذ أشهر مفاوضات مع تركيا المعاندة للاعتراف بالتهديد الذي يمثله داعش على المنطقة.

ومن هنا يأمل المسؤولون الأمريكيون اليوم بأن يتم دحر داعش، لأن أنقرة ستكون أكثر قدرة على توجيه ضربات موجعة نسبة لقربها من منطقة الصراع.

ومن الواضح أن الاتفاق الأمريكي ـ التركي بشأن قاعدتي إنجيرليك وديار بكر شمل أيضاً إقامة منطقة آمنة في شمال سوريا بالقرب من مدينة حلب، وهو شيء لطالما طالبت به تركيا، رغم رفض واشنطن، وكان وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، قال بأن منطقة آمنة ستنشأ بشكل طبيعي بعد إبعاد قوات داعش عن ذلك الجزء من سوريا.

مظهر مخادع
لكن، برأي المجلة، ليس كل ما يبدو صحيحاً، فعلى الرغم من توقيع واشنطن على الاتفاق على أمل أن يمهد لتجديد قواعد الحرب ضد داعش، فإن سلوك أنقرة الأخير يوحي بأن هدفها الرئيسي هو استغلال تلك الفرصة لشن حرب متوازية ضد حزب العمال الكردستاني(بي كي كي)، وهو مجموعة كردية انفصالية تقاتلها الحكومة التركية منذ عقود، ولكن مقاتلي الحزب انخرطوا أيضاً في المعارك ضد داعش.

وفيما احتفت واشنطن بالالتزام التركي الجديد، استهدفت أولى الضربات الجوية التركية في الأسبوع الماضي مواقع كلاً من داعش وحزب العمال، لدرجة دفعت البعض للقول بأن واشنطن مكنت تركيا من إخفاء هدفها الحقيقي في ضرب كل من بي كي كي، وقريبه السوري، وحدات حماية الشعب الكردي(واي بي جي) في إطار الحرب الشاملة ضد داعش.

كما ستضمن تركيا أن لا تفيد الضربات الجوية الأمريكية ضد مواقع داعش، المقاتلين الأكراد في التنسيق لعمليات مشتركة، فضلاً عن نقل قوات تركية إلى مناطق انسحب منها داعش.

وعبر التنازل لمطالب واشنطن بمحاربة داعش، تأمل تركيا فعلياً بأن تحقق أهدافها الحقيقية، في منع تحول كانتون روجوفا الكردي السوري، والذي يسيطر عليه حالياً حزب الاتحاد الديموقراطي للأكراد السوريين(بي واي دي)، إلى دولة كردية مستقلة، ولاستخدام القضية التركية لتعزيز موقفه السياسي داخل تركيا.

استهداف آخر
وتشير فورين أفيرز إلى قيام تركيا أيضاً باستهداف سكانها الأكراد عبر تصعيد المداهمات والاعتقالات في أعقاب التفجير الإرهابي الذي طال مدينة سوروج الحدودية في 20 يوليو(تموز) الأخير، حيث نسب الانفجار لداعش، وطال نشطاء أكراد وخلف 23 قتيلاً، ومنذ ذلك اليوم، شنت تركيا عملية كبيرة لمحاربة الإرهابيين أثمرت، في خلال أسبوع، عن اعتقال 137 مشتبه بتعاطفهم مع داعش، فضلاً عن اعتقال 847 مشتبه بانتمائهم لحزب بي كي كي.

وفي مقال كتبه في صحيفة "ديلي صباح" التركية، ربط المستشار الرئاسي للشؤون الخارجية، إبراهيم كالين، بين داعش وحزب بي كي كي، وقال إن مقاتلي داعش وبي كي كي وجهان لعملة واحدة، لأن كلا المجموعتين يستخدمان الإرهاب لتحقيق أهدافهم السياسية، وأن هجمات بي كي كي تشكل تهديداً لتركيا بحجم الهجمات التي شنها داعش.

ديناميكيات
وتلفت المجلة إلى كون محاربة حزب العمال والقضاء على الطموحات الكردية في سوريا ليست هي الديناميكيات الوحيدة الكامنة من وراء المواقف التركية، فبالإضافة لكل ما ذكر، فإن حزب العدالة والتنمية(أي كي بي)، والذي يرأس حالياً حكومة مؤقتة ستحكم البلاد لحين تشكيل ائتلاف جديد(أو، إن فشلت جهود تشكيله، لحين إجراء انتخابات جديدة في الخريف المقبل)، يحاول تغيير النتائج السياسية لسياسته في الانفتاح الكردي، والتي منحت الأكراد في تركيا حقوقاً أكبر في استخدام اللغة الكردية والتعبير عن ثقافتهم الكردية، وأدت تلك السياسة لإحلال سلام فوري، ولكن يبدو أنها أضعفت قبضة حزب العدالة والتنمية على السلطة.

هدنة
وتقول فورين أفيرز إن ذلك الانفتاح الذي دشنه في 2009 رجب طيب أردوغان، رئيس الوزراء آنذاك، أدى لعملية سلام كردية ـ تركية، تم التوقيع عليها في عام 2012 مع السجين عبد الله أوجلان، زعيم بي كي كي، وأدت تلك المفاوضات لهدنة مع بي كي كي في أبريل(نيسان) 2013، والتي خرقت عشية هجمات بي كي كي على جنود أتراك، وضربات الجيش التركي ضد معاقل بي كي كي في شمال العراق.

وكما تشير المجلة، استفاد حزب العدالة والتنمية من عملية السلام مع الأكراد في تعزيز موقفه السياسي بعدما توقفت عمليات اغتيال سياسية دامت لعشرات السنين، فضلاً عن كلفة عمليات عسكرية متواصلة لمحاربة بي كي كي.

وبالنظر لموقفه الأكثر ليبرالية تجاه القضايا الكردية، كان آي كي بي الحزب السياسي البرلماني الوحيد المنافس في جنوب شرق تركيا، وعبر تقربه من الأكراد، افترض اي كي بي أنه سيحصد مكافآت انتخابية أكبر في المستقبل، مما يؤهله لأن يستمر في حكم تركيا لمدة طويلة.

قلب المعادلة
لكن الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي أجريت في 7 يونيو(حزيران) قلبت تلك المعادلة، حيث خسر أي كي بي شعبيته بين الأكراد ممن خطَّأوا أنقرة بسبب تعريضها المقاتلين الأكراد في سوريا للخطرن عبر منع وصول التعزيزات والمؤن إليهم من مناطق عبر الحدود، ووصل ذلك الغضب إلى نقطة الغليان أثناء حصار كوباني(عين العرب) في خريف 2014، وهي مدينة حدودية سورية، عندما وقفت قوات مسلحة تركية تراقب بصمت تقدم داعش على الأرض.

وكانت الضربات الجوية الأمريكية هي فقط التي مكنت قوات يو بي جي من دحر داعش من منطقتهم، وفي الواقع، يعتقد عدد من الأكراد الأتراك أن تركيا هي التي ساعدت داعش ـ بل وأنشأته ـ في محاولة للقضاء على القومية الكردية.

وعندما أعادت الأحزاب الكردية تنظيم صفوفها تحت اسم حزب الشعوب الديموقراطي(إتش دي بي) في عام 2014، وأعلنوا أنه يمثلهم في الانتخابات البرلمانية، رأى أي كي بي بأن تلك الخطوة تمثل تهديداً جديداً لهيمنتهم البرلمانية، وخصص حزب العدالة والتنمية معظم حملته الانتخابية على مهاجمة إتش دي بي، وصلاته بحزب بي كي كي، وتشويه سمعة زعيمه صلاح الدين ديميتراش، واتضح أن مخاوف أي كي بي لم تكن بدون أساس، فقد حصد حزب الشعوب الديموقراطي 13% من الأصوات في انتخابات 7 يونيو(حزيران)، مما حرم حزب العدالة والتنمية من الأغلبية البرلمانية لأول مرة من أن حكم منفرداً قبل 13 عاماً.