السبت 29 أغسطس 2015 / 17:28

برلمان الوطن والمنفى

نسيت الطبقة السياسية الفلسطينية، أعلى وأهم مؤسسة أوجدها الآباء والأجداد، وتكرست كأهم معلم وطني، أثّر جوهرياً في تثبيت الهوية واستقطاب الاعتراف الدولي، وترسيخ التعامل مع الحالة الفلسطينية ككيان يسير باتجاه تحقيق دولة.

إن المجلس الوطني الذي تأسس في العام 1964، ضم مئات الشخصيات الفلسطينية مع تمثيل رمزي للأردنيين كتعبير عن العلاقة الخاصة بين الشعبين الشقيقين، وقد عقد المجلس أول اجتماعاته في مدينة القدس، لما يحمله ذلك من مغزى عميق المعنى والدلالة، ومع الزمن وتوالي انعقاد الدورات وإصدار البرامج والقرارات، صار المجلس أقرب إلى برلمان حقيقي، يضم الفلسطينيين على أرض الوطن والشتات، عبر شخصيات بعضها منتخب مثل ممثلي امريكا اللاتينية، وبعضها منتخب من خلال الاتحادات والنقابات والجمعيات، وفي مرحلة ما تم إعطاء الفصائل المسلحة تمثيلاً سخياً، وذلك قبل إظهار الاجماع الوطني وراء نهج الكفاح المسلح.

ظل المجلس الوطني هو الوعاء الأكبر لكل مؤسسات الشعب الفلسطيني وتحديداً منظمة التحرير، كما تكرس كمانح لشرعية الاتجاه السياسي، إذ بدون موافقة المجلس على أي مبادرة بما في ذلك تأسيس سلطة وطنية على أي جزء ينسحب عنه الاحتلال.
ولو لم يتضمن برنامج المجلس الوطني نصاً كهذا، لما كانت ولادة السلطة الوطنية الحالية شرعية رغم مرور عقود على قرار المجلس الوطني بشأنها.
ولقد كان ملفتاً للنظر، أن هذه المؤسسة المفترض أنها الاهم في المسيرة الفلسطينية، نجحت في أداء دورها الشامل في زمن المنفى، وأخفقت في أدائه في زمن العودة الجزئية إلى الوطن، وذلك بفعل انعدام القدرة لدى الطبقة السياسية المؤثرة على إيجاد التوازن الإيجابي بين مؤسسات المنظمة الأم وأهمها المجلس الوطني، ومؤسسات الجسم الوليد - الابن- وهي السلطة الوطنية ومجلسها التشريعي.. وبفعل عدم إيجاد التوازن الصحي والبناء بين المؤسستين ضعفت منظمة التحرير وتراجع دور مجلسها الوطني، وبعد فترة وجيزة ضعفت السلطة وانتهى تقريباً مجلسها التشريعي، وبدل أن يكون المجلس الوطني حاضنة جاهزة لحماية السلطة، واحتياطاً حيوياً لها يعوض انتكاساتها، ويؤمن سنداً كبيراً لها، ظل مجرد رمز لشرعية متآكلة في الواقع لا ننتبه له إلا حين يكون مفيداً في سياق الصراع الداخلي، أو ترميم شرعية تهدد باندثارها منظمة التحرير من أساسها.

والآن.. أملى الصراع الداخلي الفلسطيني، دعوة جديدة لعقد المجلس في أقرب فرصة، وإذا كانت متطلبات "الديكور" تحتم وضع جدول أعمال متعدد العناوين للجلسة المرتقبة، إلا أن الموضوع الأهم بالنسبة للمعنيين بالأمر، هو إزاحة عدد من أعضاء اللجنة واستقدام بدلاء عنهم، ومع أن هذا أمر قانوني ونظامي، إلا أنه ليس مقنعاً كمهمة وحيدة لبرمان المنفى والوطن.

ورغم ذلك، فلا مناص - حال اتباع الاجراءات القانونية- للانعقاد من أن يشارك عدد يفترض أن يكون كبيراً ولو بأغلبية صوت واحد، وهنا يقف المشاركون جميعاً أمام اختبار يمكن أن يوصف بالمصيري.

فإما أن يتعاملوا مع الموقف بقدر من اللامبالاة ومسايرة القوى النافذة صاحبة احتكار القرارات ويكون دورهم مجرد تابعين لا حول ولا قوة لهم.

وإما ان يحولوا المجلس إلى ما ينبغي أن يكون، كبرلمان ذي مصداقية يفرض جدول أعمال لائق يبدأ بمراجعة كل ما مضى سياسياً وإدارياً وقيادياً، ويصوب الاتجاه السياسي الملتبس والمشوش والسلبي، وساعتئذ يكون برلمان الوطن والمنفى قد استعاد أول شروط تمثيله للشعب ليمضي قدماً في زمن يحتاج فيه الفلسطينيون لمؤسسة من هذا النوع.