الثلاثاء 1 سبتمبر 2015 / 01:51

ستراتفور: هذه أسباب تصعيد الصراع في الشرق الأوسط

24- طارق عليان

لن يقف منافسو طهران في المنطقة مكتوفي الأيدي دون بذل محاولات للحدّ من توسّع النفوذ الإيراني. ولن تأخذ هذه المحاولات صورة حرب شاملة بين القوى الأهم في الشرق الأوسط، فإيران ليست البلد الوحيد الضليع في استخدام وكلاء. ولكن ستستمر الصراعات التي تستعر بالفعل في المنطقة في التصاعد، بلا هوادة ومن المرجح أن تتفاقم الأوضاع.

وستحدث هذه الصدامات على عدد من خطوط التصدع، مثل السنّة ضد الشيعة، بالإضافة إلى الصراعات العرقية بين الأتراك والإيرانيين والعرب والأكراد والمجموعات الأخرى. وبالتالي فإن الاتفاق النووي الإيراني سيعني صراعاً أكبر على المدى القصير، وذلك بحسب ما أفادت موقع ستراتفور المعني بالتحليلات الاستخباراتية والجيوسياسية الأمريكي.

تركيا
توقعت مؤسسة ستراتفور منذ فترة طويلة أن تفشل تركيا في لعب دور الدولة الإقليمية المهيمنة في نهاية المطاف، برغم أنها تفخر بأنها تمتلك أكبر اقتصاد في الشرق الأوسط، وتحتل موقعاً استراتيجياً عند التقاء البحر الأسود والبحر الأبيض المتوسط، على بحر مرمرة. وليس من قبيل المصادفة ما أنفقته العاصمة التركية لأكثر من 1500 سنة كمركز للإمبراطوريات القوية، منذ 330م، عندما تأسست الإمبراطورية البيزنطية، حتى 1918، عندما سقطت الإمبراطورية العثمانية.

مثلها مثل الولايات المتحدة، لدى تركيا بعض المصالح المتقاربة مع إيران. وتنافسها مع جارتها على منطقة الشرق الأوسط ليست منافسة محصلتها صفر. فمن ناحية، تعتمد تركيا على النفط الإيراني، الأمر الذي جعله يشكّل في 2014 نسبة 26 % من واردات النفط التركي.

ومن ناحية أخرى، سيؤدي رفع العقوبات المفروضة على إيران إلى تزويد طبقة التجار التركية المتعطشة للعوائد الاقتصادية المحتملة فرصة كبيرة للاستثمار. وإلى جانب العلاقات الاقتصادية بين القوتيْن، تتشارك طهران وأنقرة أيضاً في بعض المصالح الاستراتيجية. على سبيل المثال، كلاهما يعارض صعود دولة كردية مستقلة من رماد الحرب الأهلية السورية والصراع العراقي. وبينما تقوم طهران في بعض الأحيان بتقديم دعم عسكري للأكراد ضد  داعش في العراق، فهناك عدد سكان كبير من الأكراد في إيران نفسها، حيث تتراوح تقديراتهم في أي مكان من 6-7 مليون نسمة. يشكّل الأكراد ما يقرب من 15% من سكان تركيا. وتتعامل أنقرة مع التمرد الكردي منذ 1984.

ومع ذلك، فإن تركيا وإيران منافسيْن طبيعييْن على نطاق أوسع. وعلى الرغم من أن احتواء الأكراد يمثّل مصلحة مشتركة بين الخصميْن، يُعتبر الأكراد أيضاً أداة مفيدة في يد كل منهما لتقويض الآخر. ولذا، تُعد كردستان ساحة المعركة الطبيعية بين تركيا وإيران، وستستخدم القوتان الفصائل الكردية ضد بعضهما بعضاً مع تزايد المنافسة. وعلى الرغم من أن تركيا ذات أغلبية سنية وإيران ذات أغلبية شيعية، فمن المهم أن نلاحظ أن أنقرة وطهران تسعيان لفرض هيمنتهما على منطقة أغلب سكانها من العرب. وينظر العرب إلى الاختيار بين الحكم التركي أو الفارسي كاختيار بين الموت غرقاً أو ذبحاً، بحسب وصف التحليل.

وأوضح التحليل أن علاقة تركيا بتنظيم داعش غير واضحة. ولم تتغير سياسة تركيا تجاه الجماعة المتشددة من الإذعان السلبي إلى التحرك النشط إلا في الأشهر الأخيرة.

وعزا التحليل ذلك إلى أن تركيا ترى تنظيم داعش وقد أصبح يشكل تهديداً محلياً، مع انتشار خلاياه وعناصره في جميع أنحاء البلاد، مضيفاً أنه من المحتمل أن أنقرة صارت أكثر حذراً وإحباطاً من حقيقة أن الغرب يبدو متجاوباً مع احتمالات استقلال الأكراد عندما تسمع وترى أن الأكراد يشكّلون القوة الأكثر فعالية لمحاربة التنظيم.

ولفت التحليل إلى أن تركيا كانت تصر على سقوط الرئيس السوري بشار الأسد، وتقوم بإرسال وتدريب المتشددين لقتال دمشق بنشاط وهمة، منوهاً إلى أن أنقرة تعتبر بلاد الشام مجالاً لبسط نفوذها، ولا تنظر بعين العطف إلى المحاولات الإيرانية للتوسع في المنطقة. ورجّح التحليل أن تتخذ تركيا دوراً أكثر نشاطاً في سوريا، خصوصاً في ضوء التقارير الأخيرة التي تفيد بأن تركيا تفكر في نقل جيشها إلى شمال سوريا لخلق منطقة عازلة تحول دون التوسع الكردي السوري وإضعاف داعش بصورة كبيرة، بما يمكّن المسلحين السُنّة من تركيز مواردهم على مواصلة الهجوم على حكومة الأسد.

السعودية
على عكس تركيا، لا توجد للمملكة العربية السعودية مصالح مشتركة مع إيران، بحسب التحليل، موضحاً أن المملكة قوة عربية سُنيّة، وتنظر العقيدة الوهابية التي تجمع معظم السعوديين إلى الشيعة بكثير من الشك. وترى المملكة نفسها على خط المواجهة الحقيقي في الصراع مع إيران نظراً لوجود أقلية شيعية على أرضها تشكّل ما بين 10 % و15 % من سكانها وانفتاح العراق أمام الطموحات الإيرانية. ويعيش معظم السكان الشيعة في المملكة العربية السعودية على مقربة من حقول النفط الضخمة في البلاد، والتي تعتبر مصدر الثروة السعودية وسلطتها، وهو ما يجعل شبح التوسع الإيراني أكثر إثارة للقلق في الرياض، وفقاً للتحليل. وفي أواخر2011، أرسلت السعودية قوات إلى البحرين للمساعدة في إخماد الاضطرابات لأن إيران ستستغل الوضع المضطرب لتوسيع نطاق نفوذها في منطقة الخليج.

ومثلها مثل تركيا، تريد السعودية أن ترى سقوط حكومة الأسد، وهو ما سيوجّه ضربة قاضية للنفوذ الإيراني في المنطقة. ولا تزال المملكة العربية السعودية تدعم مسلحين سنّة آخرين في سوريا يقاتلون ضد القوات الموالية لبشار، وتقوم، جنباً إلى جنب مع الأردن، بتقديم الأسلحة إلى القبائل السُنية التي تقاتل في العراق، بحسب ما أفاد التحليل.

وعلى النقيض من تركيا وإيران، لا توجد مشكلة بين المملكة العربية السعودية والأكراد، وترى مؤسسة ستراتفور بالفعل دلائل على أن آل سعود سيساعدون العناصر الكردية في العراق عسكرياً. ولكن ليس من الواضح إلى أي مدى سيتابع السعوديون هذه الاستراتيجية وأي الفصائل الكردية التي سيدعمها السعوديون.

لكن الإيرانيين يحاولون بالفعل إثارة الأقليات في المملكة العربية السعودية، وبالتالي من المرجح، بحسب التحليل، أن يحاول السعوديون على الأقل تشجيع ظهور دولة كردستان مستقلة قادرة على التأثير في القضايا الاقتصادية والأمنية الإقليمية- حتى لو كان دعم السعودية للأكراد سيفسد علاقة الرياض مع أنقرة. برغم كل شيء، وعلى الرغم من أن كلا من السعودية وتركيا قوى سنية، فإن المملكة العربية السعودية لا ترى مصلحة في هيمنة تركيا على الشرق الأوسط، وهو مثل موقفها تجاه إيران.

وفي 2014، لم تحاول المملكة العربية السعودية بدء حوار دبلوماسي مع إيران، ولكن تدهور هذا الجهد بسرعة مع بداية الصراع في اليمن، ومع تركيز الرياض على محاربة الشيعة وداعش في بقية المنطقة، فوجئت بإحراز المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران مكاسب عسكرية كبيرة في اليمن، حتى أنهم استولوا على صنعاء العاصمة.

ولجأت المملكة العربية السعودية منذ ذلك الحين إلى استخدام القوة الجوية والبرية في الصراع، وبحلول أبريل(نيسان) 2015 بدأت الخريطة تتغير. منذ توصل القوى العالمية الست إلى اتفاق نووي مع إيران، حققت القوات المكافحة للحوثيين المدعومة من السعودية في اليمن انتصارات كبيرة في خليج عدن. وتعتبر هذه الأنواع من الصراعات هي القاعدة في جميع أنحاء المنطقة بالفعل، وسيؤدي إعادة النظر في صورة ايران الدولية إلى جانب رغبة طهران في توسيع مجال هيمنتها إلى المزيد من هذه الصراعات، وفقاً للتحليل.

مصر
ويرى التحليل أن مصر قوة عربية سنية مثلها مثل المملكة العربية السعودية ، لكن قدرتها على الفعل أكثر تقييداً بكثير من تركيا أو السعودية، ومع ذلك، تشكّل القاهرة جزءاً هاماً من ميزان القوى الذي تحاول الولايات المتحدة تأسيسه في منطقة الشرق الأوسط، كما يتضح من خلال تسامح واشنطن، بشأن إطاحة الرئيس محمد مرسي، عضو جماعة الإخوان المسلمين، بمجرد أن أطلّت القوات المدعومة من إيران في اليمن برؤوسها في2014.

وبالإضافة إلى ذلك، تعتقد الولايات المتحدة أن معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل في 1979 لا تزال واحدة من السمات المميزة للمنطقة. لكن تواجه مصر قضايا داخلية خطيرة بحد ذاتها، مثل تقويض نظام الدعم المحلي وانتخاب برلمان واحتواء الاضطرابات الاجتماعية وإدارة التهديدات الجهادية المتعددة في البلاد، بما في ذلك الهجمات المقلقة في القاهرة وشبه جزيرة سيناء.

برغم هذا، تنشط القوات المصرية في اليمن، وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في زيارة لروسيا هذا الأسبوع لمناقشة العلاقات الاقتصادية والوضع في سوريا مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وعملت مصر والمملكة العربية السعودية على زيادة التعاون بينهما في الأشهر الأخيرة، وربما تحاولان تجميع مواردهما لحماية معقل العرب في الشرق الأوسط.

ومن الممكن أن تصبح قوة الدفاع العربي المشترك قيد التطوير جزءاً من خطة الدولتيْن وهي واحدة من الطرق التي تلتمسها القاهرة للحفاظ على دور بارز على الصعيد الإقليمي، بحسب التحليل.

ويخلص التحليل إلى القول بأنه بصفة عامة، سيؤدي الاتفاق النووي الإيراني إلى زيادة، وليس تقليل العنف أو الحرب، منوهاً إلى أن الانتفاضات في العالم العربي في 2011 قد أحدثت فراغاً في السلطة في جميع أنحاء المنطقة؛ فالوكلاء المدعومين من قوى خارجية، فضلاً عن ميليشيات وجماعات محلية، وجدوا مساحة جديدة يمكنهم العمل فيها. وسيزيد الصراع في المنطقة حول تركيا وإيران والسعودية ومصر من خلال استخدام جماعات مختلفة لتتنافس بها الدول ضد بعضها بعضاً، بدلاً من جماعات تستفيد من الدول الفاشلة لتأسيس إقطاعيات صغيرة خاصة بها.