الجمعة 9 أكتوبر 2015 / 17:40

تقرير: أربع دقائق وثلاثون ثانية في الأجواء التركية

24 – اسطنبول - علي العائد

حلقت الطائرات الروسية في المجال الجوي التركي لمدة 4 دقائق وثلاثين ثانية. وبالرغم من أن الصواريخ الحديثة تحتاج لـ13 ثانية فقط كي تنطلق باتجاه الطائرة المعادية، إلا أن ذلك لم يحدث.

وبغض النظر عن صحة، أو عدم صحة، خبر سقوط أربعة صواريخ روسية في الأراضي الإيرانية، أو أكثر، أمس الخميس، في طريقها من منطقة بحر قزوين باتجاه سوريا، فإن مثل هذا الحادث لن يثني روسيا عن متابعة هجومها الجوي في سوريا.

الآن، هنالك ثلاثة أسباب تقف وراء الارتباك التركي بعد بدء روسيا تنفيذ ضرباتها الجوية على مقاتلي المعارضة السورية، وعلى داعش، بشكل خجول حتى الآن.

السبب الأول هو انعكاس الثورة السورية على تركيا، كمسألة ديموغرافية ناتجة عن تواجد أكثر من مليوني سوري في تركيا، بما يعنيه ذلك من تعقيدات أمنية، وإدارية، واقتصادية مالية.

السبب الثاني هو الأزمة السياسية الداخلية بعد الانتخابات النيابية في يونيو (حزيران) الماضي، والفشل في تشكيل حكومة ائتلافية. ومن ثم الصراع الذي انفتح مع مقاتلي حزب العمال الكردستاني، والاستقطابات السياسية بين القوميين اليساريين، والقوميين المحافظين. هنالك الآن بوادر لانفضاض اليساريين من حول حزب الشعوب الديمقراطي الكردي، بعد علامات على تأييد سياسي كردي للضربات الجوية الروسية لمقاتلي المعارضات في سوريا.

السبب الثالث هو اختبار ما يدعيه أردوغان بخصوص دعمه الثورة السورية، بعد التدخل الروسي.

فحين ذهب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى موسكو، منذ أسبوعين، حاول بوتين إقناعه مجدداً بضرورة محاربة الإرهاب، وبالتعاون مع نظام بشار الأسد. وبعد أن أنهى أردوغان مباحثاته مع بوتين، أعلن أن تركيا تقبل بدور للأسد في المرحلة الانتقالية.

غير أن رئيس الحكومة التركية أحمد داوود أوغلو، في خطابه في نيويورك، بعد أيام من ذلك التاريخ، أفصح أن الحل السياسي في سوريا مع الأسد غير ممكن، داعياً إلى تشكيل تحالف لإسقاط النظام.

أكثر من ذلك، كرر أوغلو أن داعش ليس سوى رد فعل على الفراغ القائم في سوريا.

الغاز الروسي
سلاح بوتين في مواجهة العناد التركي، كان التلويح بإلغاء تمرير خط الغاز الجنوبي عبر تركيا، بعدما راج أن روسيا تفضل تركيا على بلغاريا طريقاً لمرور الخط إلى أوروبا.

بالطبع، في القلب من هذه المسألة غاز الخليج العربي، وخصوصاً قطر. فالإغراء الروسي لتركيا في هذه المسألة ينظر إلى العلاقات التركية القطرية الجيدة، وإلى احتمالية مد أنابيب غاز عبر الأردن وسوريا وتركيا باتجاه أوروبا، ما يعني تجريد روسيا من غازها، كسلاح استراتيجي، في مواجهة أوروبا غير الراضية عن تصرفات موسكو، والمجبرة على مجاراتها خوفاً من انقطاع الغاز عنها دون أن تمتلك البديل.

في ما يخص العلاقات الاقتصادية التركية الروسية، تعتمد تركيا على 55% من احتياجاتها من الغاز على روسيا (أكثر من 28 مليون متر مكعب)، بينما تؤمن لها إيران 20% من هذه الاحتياجات.

يضاف إلى ذلك الاتفاق التركي الروسي لإنشاء مفاعلات نووية بكلفة تصل إلى عشرين مليار دولار.

وفي ما يتعلق بمسألتي الغاز والمفاعل النووي، حذر أردوغان روسيا، أمس الخميس، من خسارة عقد بناء مفاعل "أكويو" في جنوب تركيا. كما أشار إلى أن بمقدور تركيا الحصول الغاز من مصادر أخرى.

وفي معمعة السياسة، وهدير الطائرات والصواريخ، قد يضيع هدف الدولتين برفع التبادل التجاري بينهما إلى 100 مليار دولار عام 2023.

الخرق الجوي
الخرقان للأجواء التركية، الأحد والإثنين، كانا ضمن المتوقع. يحدث ذلك في الحروب. لكن نتائج خرق جديد لا يمكن توقعه، حتى في ظل رد الفعل التركي اللطيف الذي ظل دبلوماسياً وحذراً.

لا ننسى هنا التذكير أن تركيا عضو في حلف شمال الأطلسي، وبالتالي ينبغي وضع الاستفزاز الروسي في مقام الاستفزاز لأمريكا وحلف الناتو، بالرغم من فتور بين واشنطن وبرلين بلغ حد اتخاذ قرار بسحب بطاريات صواريخ الباتريوت من الحدود التركية.

هذا القرار من المفترض تنفيذه قبل نهاية هذا الشهر. لكن ربما تتراجع الدولتان عن ذلك دعماً لتركيا بعد الأخطار الماثلة على حدودها الجنوبية.
أما قائد سلاح الجو التركي فأكد بعد الخرقين المذكورين أن الطائرات الحربية التركية "في حالة حرب".

تدخل متأخر
ربما تأخر التدخل العسكري الروسي لأسباب موضوعية تتعلق بانشغالها بأوكرانيا، لكن تطاول فترة الحرب التي يخوضها بشار الأسد ضد مقاتلي المعارضة، وفشل حزب الله وإيران والميليشيات الشيعية في ترجيح كفة النظام، جعل روسيا تُقدم على هذه الخطوة المتهورة دون شك.

وقد يكون التحرك العسكري مقدمة كي تُسوِّق روسيا حلاً سياسياً تفرضه على الأطراف المتصارعة، وعلى المجتمع الدولي، بعد أن تحقق تقدماً خلال الشهور الأربعة المقبلة كما وعدت. لكن مثل هذا الأمر دونه عقبات؛ فهنالك أولاً الجسم السياسي السوري المعارض الرافض كلية للتدخل الروسي، وثانياً هنالك الجسم العسكري للمعارضة الذي يمتلك من الخبرات والأسلحة ما يكفي لملاعبة روسيا لسنوات.

كما أن إدارة بوتين تستطيع دعم عملياتها خلال الشهور الأربعة بما تحتاجه من مال وعتاد وسلاح، وأن تتحمل كلفة بشرية متوقعة في مثل هذه الحالة. غير أن امتداد الحرب الروسية في سوريا لسنة، أو سنتين، سيجعل روسيا لا تطيق الخسائر المادية والبشرية، حتى لو أدت الحرب إلى ارتفاع أسعار البترول إلى 100 دولار.

هذا دون أن نتحدث عن رفض أمريكا وأوروبا ودول الخليج للتدخل الروسي، بما يتضمنه ذلك من دعم للفصائل المعارضة. إذ يكفي أن تزود دول الخليج المقاتلين بصواريخ ستينغر المحمولة على الكتف لتميل الكفة لصالح مقاتلي المعارضة فوراً، وتجد روسيا نفسها تستجدي الانسحاب.