الثلاثاء 24 نوفمبر 2015 / 09:17

غزل أوباما لداعش.. من الجو!

خيرالله خيرالله - المستقبل اللبنانية

هل يمكن خوض الحرب العالمية الثالثة من الجو؟ هذا ما يحاول الرئيس باراك اوباما اقناع العالم به. هذا ما اكّده في قمة العشرين التي انعقدت في انطاليا ـ تركيا أخيرا. اكّد مجددا ان الولايات المتحدة لا يمكن ان ترسل قوات لمقاتلة «داعش». هذا يعني بكل بساطة انّ هناك رغبة في عدم محاربة «داعش» لا اكثر ولا اقلّ.

قبل ايّام قليلة من «غزوة باريس»، يوم الثالث عشر من تشرين الثاني ـ نوفمبر الجاري، تحدّث الملك عبدالله الثاني الى احدى المحطات الأوروبية (يورو نيوز). كرّر العاهل الأردني ما سبق ان قاله عن الحرب التي يشنّها المجتمع الدولي على الإرهاب. أكد مجددا «انها الحرب العالمية الثالثة». زعماء كثيرون، بينهم الفرنسي فرنسوا هولاند بدأوا يرددون ما قاله عبدالله الثاني قبل فترة طويلة.

كان العاهل الأردني على حقّ. بقي عند موقفه مما يدور في العالم وفي المنطقة على الرغم من انّه يعاني حاليا من مشاكل كبيرة. ابرز هذه المشاكل تلك المرتبطة باللاجئين السوريين، وهو امر لم يعد الأردن قادرا على تحمّله. هناك مليون واربعمئة الف لاجئ سوري في المملكة الهاشمية باتوا يشكلون نسبة عشرين في المئة من السكّان.

ماذا يعني كلام عبدالله الثاني الذي يعمل حاليا على تفادي كارثة تحلّ بالبلد بسبب الوضع الإقتصادي؟ يعني ان هناك واقعا لم يعد في الإمكان تجاهله. يتمثّل هذا الواقع في «ان نسبة عشرة في المئة فقط من اللاجئين السوريين يعيشون في مخيّمات، فيما الباقون موجودون في مختلف القرى والمدن الأردنية». هؤلاء ينافسون الأردني في سوق العمل في وقت، ثمّة حاجة للأردن الى ثلاثة مليارات دولار سنويا مساعدات. حصل منها في العام الماضي على نسبة 28 في المئة وهذه السنة على نسبة 35 في المئة» فقط. هل من ظلم اكبر من هذا الظلم في وقت تقف بلدان اوروبية غنية عاجزة امام استقبال بضعة آلاف من السوريين؟

تحذيرات عبدالله الثاني تتجاوز الأردن، البلد الذي يواجه تحدّيات مختلفة والذي لا يمكن القول انّه تجاوز تداعيات «الربيع العربي» كلّيا. لا يزال الأردن يسعى الي وضع «الربيع العربي» خلفه. ما يمكن ان يساعده في ذلك الإصرار على الإهتمام بتحسين الإقتصاد ومتابعة الإصلاحات بدءا باعتماد مزيد من اللامركزية وقانون انتخابي جديد يرضي معظم المواطنين ومتابعة الحملة على الفساد بكلّ انواعه.

فوق ذلك كلّه، يواجه الأردن تحدي الإصرار الإسرائيلي، الذي يعبّر عنه رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو، على تشجيع التطرّف. من يتحدّى مشاعر المسلمين تجاه القدس وما يمثّله المسجد الأقصى، انما يشجع التطرّف لا اكثر. فعندما تقدم اسرائيل، سلطة الإحتلال، على ما اقدمت عليه في المسجد الأقصى، فهي تكون تعمل كلّ شيء من اجل زيادة شعور الفلسطيني باليأس والإحباط ودفعه الى العنف.

ان من خلال حديثه الى «يورو نيوز»، قبل غزوة باريس، ثم خطاب العرش الذي القاه في افتتاح دورة مجلس الأمّة بعد يومين من الجريمة التي تعرّضت لها العاصمة الفرنسية، اعتمد العاهل الأردني لهجة تحذيرية.

لا يمكن الإستخفاف بما يصدر عن عبدالله الثاني، خصوصا في الظروف الراهنة. من يعود قليلا الى خلف يكتشف انّه كان اوّل الذين حذروا من الإنفجار الكبير في المنطقة ومن حال اللاتوازن والإضطرابات التي تبدو مقبلة عليها. كان ذلك في تشرين الأوّل ـ اكتوبر من العام 2004. اثار وقتذاك مسألة «الهلال الشيعي» في حديث الى «واشنطن بوست».

كثيرون لم يفهموا ما الذي يقوله ومغزى كلامه. اعتقدوا انّه يتحدث من منطلق مذهبي او طائفي، في حين انّه كان يقول كلاما سياسيا بسيطا ومنطقيا مرتبطا بالمشروع التوسّعي الإيراني الذي بدأ يتخّذ بعدا جديدا اثر تقديم الولايات المتحدة العراق، في عهد بوش الإبن، على صحن من فضّة الى ايران.

لم تكتف ايران بالسيطرة على العراق. وسّعت نفوذها في سوريا بعدما سيطرت بشكل شبه كلّي على بشّار الأسد. اكثر من ذلك، وضعت ايران يدها على لبنان، وباتت تعتبر بيروت بمثابة مدينة ايرانية على البحر المتوسّط. وصل الأمر بالمسؤولين الإيرانيين الى حدّ تأكيد ان بلدهم يسيطر على اربع عواصم عربية هي بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء وان عاصمة العراق تحوّلت الى عاصمة الإمبراطورية الفارسية. هذا الكلام موثّق وصدر عن غير مسؤول ايراني، حتّى لا يقال انه كلام ذي طابع مزاجي لا يمثّل حقيقة ما يفكّر فيه الإيرانيون وما يعتقدون انّه صحيح.

يقول عبدالله الثاني الآن ان العالم في حرب عالمية ثالثة وان على المسلمين ان يبادروا فـ»الأردن سيواصل التصدي لمحاولات تشويه ديننا الحنيف. الحرب على قوى الشرّ والظلم والإرهاب حربنا، لأننا مستهدفون من اعداء الإسلام قبل غيرنا».

لا ينفي العاهل الأردني مسؤولية المسلمين في مواجهة الإرهاب، ولكن هل يخوض العالم الحرب العالمية الثالثة بشكل جدّى وبكلّ قواه بعد الذي حصل في باريس والذي يشكّل دليلا آخر على ان هذه الحرب، التي تشمل «داعش» تحديدا، لا يمكن ان تخاض من الجو فقط؟

يقاتل الأردن على جبهات عدّة. وضعه الإقتصادي جبهة. ما تقوم به اسرائيل جبهة. اللاجئون السوريون جبهة. الوضع الداخلي السوري حيث نظام يذبح شعبه يوميا بالتحالف مع «داعش» والتواطؤ معها جبهة.

كلّ ما لدى الأردن يتمثّل في توجيه الإنذار تلو الآخر.

في الماضي، قبل اجتياح العراق لقلب نظام كان يجب قلبه، حذّر عبدالله الثاني بوش الإبن من النتائج التي يمكن ان تترتب على عملية عسكرية غير مدروسة بعناية في بلد بالغ الأهمّية على الصعيد الإقليمي، مثل العراق.

كان جواب الرئيس الأميركي وقتذاك، انّ «الله كلّفه مهمّة» التخلّص من صدّام حسين. من كلّف باراك اوباما مهمّة الإستعجال في الإنسحاب من العراق ثمّ التفرّج على بشّار الأسد يستخدم السلاح الكيميائي والبراميل المتفجّرة ضد شعبه... ثم مغازلة «داعش» من الجوّ، خصوصا بعد «غزوة باريس»؟

الحرب العالمية على الإرهاب لا تخاض من الجوّ ولا بعبارات التنديد بـ»غزوة باريس». هناك «داعش» وهناك حواضن «داعش» في مقدّمها ممارسات النظام السوري، بل النظام بحدّ ذاته، وهناك القوى المذهبية التي ترسل، بطلب ايراني، ميليشيات الى سوريا بغية المشاركة في الحرب التي يتعرّض لها شعبها.

اخيرا، هناك الدبّ الروسي الذي يدّعي مقاتلة «داعش» لكنّه لم يفعل حتّى الآن سوى قصف القوى التي تسعى بالفعل الى التصدّي لهذا التنظيم الإرهابي ومنع تمدّده...

ما الذي سيفعله العالم؟ هل يقتنع بأنّ الحرب العالمية الثالثة بدأت بالفعل وأنها لا تُخاض لا بالطائرات ولا بالتمنيات؟

قال عبدالله الثاني ابن الحسين، الذي مرّت قبل ايّام الذكري الثمانين لميلاده، كلمته ومشى. قال ما عليه قوله في عالم بات ينطبق عليه حاليا المثل الفرنسي القائل: «لم يعد من شغل للشيطان على هذه الأرض، اذ حل مكانه الانسان بشكل جيّد»!