متظاهرون أمام السفارة التركية في موسكو يحتجون على اسقاط الطائرة الحربية الروسية (وكالات)
متظاهرون أمام السفارة التركية في موسكو يحتجون على اسقاط الطائرة الحربية الروسية (وكالات)
الأربعاء 25 نوفمبر 2015 / 22:01

تقرير: هل حذر الأتراك الطيار الروسي باللغة التركية؟!

إسطنبول - 24 - علي العائد

أطرف ما تداوله مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي، كلام ملفق ساخر على لسان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، يقول فيه إن الطيار التركي تحدث مع الطيار الروسي باللغة التركية، ليحذره من اختراق الأجواء التركية، ويعلق أردوغان: "ليست مشكلتنا أن الروسي لا يعرف التركية".

وتخترق الطائرات الحربية عادة أجواء الدول المجاورة بسبب سرعتها العالية، خاصة في الدول الصغيرة التي لا تمتلك مجالاً استراتيجياً كافياً يتيح للطائرات السريعة الإقلاع والوصول إلى السرعة القصوى وتنفيذ المهمة، ومن ثم العودة إلى قواعدها مثل الطيران الإسرائيلي.

وأكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، أن الطائرتين الروسيتين دخلتا الأجواء التركية لمدة 17 ثانية فقط.

في مرة سابقة، خرق الطيران الروسي الأجواء التركية لمدة 4 دقائق و30 ثانية، دون أن يتحرك الطيران أو الدفاعات الجوية التركية، مع العلم أن الصواريخ الحديثة تحتاج لـ13 ثانية فقط كي ترصد الهدف وتصيبه، ويؤكد كلام لافروف عن الـ 17 ثانية، فاعلية سلاح الجو التركي.

وذكرت الرواية التركية أن الطائرتين التركيتين حذرتا نظيرتيهما الروسيتين 10 مرات خلال 5 دقائق، وليس واضحاً إن كان الطرف التركي يدعي أن اختراق الأجواء التركية استمر 5 دقائق أو أكثر.

وهل يعني هذا أن المسموح به تركياً للطيران المعادي هو 4 دقائق و30 ثانية فقط!، وأن الطيران الروسي ظل ما بين 17 و30 ثانية في الأجواء التركية أكثر من المسموح، أم أن الطيران التركي حذر الطائرتين الروسيتين من دخول الأجواء التركية قبل 4 دقائق و43 ثانية، ثم كانت الـ 17 ثانية المكملة للخامسة.

دقائق كافية لإسقاط إحدى الطائرتين، وهروب الأخرى؟، في كل الأحوال هنالك شيء غير دقيق في الروايتين.

حرب دبلوماسية
إسقاط الطائرة الروسية يحمل من السياسة أكثر مما يحمل من الأمور العسكرية، والأمر لا يصل بالطبع إلى درجة تخيل أن إحدى الدولتين، أو كلتيهما، كانت تتوسل عداء الدولة الأخرى وصولاً إلى نشوب حرب بينهما.

مع ذلك، من الصعب الركون إلى أن الأمر مجرد سوء تفاهم، أو خطأ من سلاح الجو التركي، في الأمر سياسة، بل كل السياسة، بدليل التصريحات الروسية التي قالت إن تركيا تعاونت مع الولايات المتحدة لإسقاط الطائرة الروسية.

روسيا هي من هي في قوتها، وفي عنجهيتها الإمبراطورية، ولدى الأتراك ما يشبه ذلك من العنجهية الموروثة من العصر المديد للسلطنة العثمانية، وفي القلب من علاقة العنجهية لدى الطرفين هنالك بقايا عداء نفسي كامن بين دولتين خاضتا حروباً عديدة خلال 4 قرون سبقت القرن العشرين، واستمرت في بداياته.

وليس مرجحاً أن تتدهور الأمور نحو حرب عسكرية معلنة، لكن الحرب الدبلوماسية ستستمر لأيام، أو أسابيع، بينما سيتعرقل التعاون الاقتصادي الاستراتيجي بين البلدين اللذين يطمحان في عام 2023 إلى 100 مليار دولار من التبادل التجاري.

آخر الأخبار بعد إسقاط تركيا للطائرة الروسية، تشير إلى عزم روسيا على نشر منظومة الصواريخ المضادة للطائرات متطورة في القاعدة العسكرية الروسية بمطار حميميم العسكري في اللاذقية، جاء ذلك على لسان وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو.

وقبل ذلك، أعلن الرئيس فلاديمير بوتين في طهران عن عزم روسيا تزويد إيران بمنظومة الصواريخ 300 إس، وهي الصفقة التي عرقل تنفيذها منذ 2011 كل من إسرائيل والولايات المتحدة.

والوضع الهجومي لروسيا في سوريا، جعل بوتين يستخدم هذه الورقة في وجه أمريكا، دون أن يُعرف ما إذا كانت الصفقة ستتم فعلاً في القريب العاجل، هذا بغض النظر عن احتمالات تمرير إيران هذا السلاح لحزب الله، كي يستخدمه ضد إسرائيل، وهذه كانت الذريعة التي واجهت فيها إسرائيل روسيا حتى ألغت الأخيرة الصفقة في عام 2013.

قصة السلاح الروسي
عن فعالية السلاح الروسي، تقول تقارير إن 30% فقط من الصواريخ المتوجهة من شمال بحر قزوين نحو مواقع تنظيم داعش في سوريا، أصابت أهدافها.

ونشير هنا إلى خبر انتشر منذ أسابيع متحدثاً عن سقوط 4 صواريخ في الأراضي الإيرانية، دون أن تصل إلى هدفها في سوريا، بالطبع أنكرت روسيا ذلك، وساعدها الإنكار الإيراني في وقف تداول الخبر، بالرغم من تأكيد دوائر أمريكية لصحة الواقعة.

والشائع، دون أن يكون خطأ، أن الصناعات العسكرية الروسية متخلفة عن نظيرتها الغربية، وعن الأمريكية تحديداً.

وإذا كان ذلك صحيحاً، فإن المهارة البشرية الروسية في استخدام أسلحتها ربما تكون أقل مستوى، أيضاً، من العنصر البشري الغربي في استخدامه أسلحته.

ومن ناحية تقنية، كان السلاح الروسي، والسوفييتي سابقاً، أقل سعراً وأثقل وزناً، حتى بندقية "كلاشينكوف"، وهي الأكثر شعبية بين الجيوش والثوار والمتمردين، تعود إلى حقبة الحرب العالمية الثانية، وإلى عام 1946 تحديداً، وحصل العريف ميخائيل تيموفييفتش كلاشنيكوف، على جائزة ستالين عام 1949 عن اختراعه لها، وحتى بعد إدخال تحسينات على السبائك المعدنية للبندقية، وعلى ميكانيكية عملها، بقيت متخلفة عن البنادق الغربية المماثلة من حيث موثوقية السبيكة المعدنية، وسرعة الطلقات، والوزن، ليبقى سعرها الرخيص، والتراخيص الممنوحة لبلدان عديدة بتصنيعها، الميزتان الوحيدتان اللتان أعطت كلاشينكوف تلك الشعبية والانتشار.

سوخوي24
إسقاط الطائرة الروسية القاذفة "سوخوي24" في سماء ما بين تركيا وسوريا بواسطة صاروخ أطلقته طائرة "إف16" يطرح تساؤلات عن موثوقية الطيران الروسي.

الطيار الروسي لم يكن يتوقع أن يتم إطلاق صاروخ في اتجاه طائرته. وحتى لو توقع ذلك لم يكن في إمكانه فعل شيء بطائرته الضخمة نسبياً، والثقيلة الوزن، فطائرته القاذفة أثقل من أن تتمكن من المناورة في الجو والهرب سريعاً، أو الدخول في معركة مع طائرة مقاتلة، حتى لو كانت طائرة من طراز عجوز من سلسلة إف16.

كما أن سوابق اختراق الطائرات الروسية للأجواء التركية خلال 56 يوماً من بعد التدخل الروسي المعلن في سوريا انطلاقاً من مطار حميميم الذي لا يبعد سوى عشرات الكيلومترات عن لواء إسكندرون، وعدم حصول أكثر من ملاسنات دبلوماسية بين الترك والروس، بعد كل عملية اختراق، جعل المستويين العسكري والسياسي في روسيا يستبعدان أن يتنمر الجيش التركي ويتجرأ على إسقاط الطائرة.

هذا إذا قبلنا مقولة أن هدف روسيا لم يكن استفزاز تركيا، وذلك مرجح في ظل تعاظم الورطة الروسية في سوريا، مع مرور الأيام، كما أن العضوية التركية في حلف الناتو تجعل روسيا تتردد كثيراً قبل التفكير في فتح جبهة مع الناتو.

ورد الفعل الروسي، بالدفاع تقنياً عن محدودية زمن خرق الأجواء التركية، بمعنى أن الخرق لم يكن مقصوداً، قابله إصرار الأتراك على روايتهم، ولأن التهدئة واقعة، فلن يكون للحادث مفاعيل خطيرة على المستوى العسكري.

جثة ومفقود
المتوقع الآن أن منطقة الحظر الجوي في شمال سوريا، أو المنطقة الآمنة المقترحة، ستفشل للمرة العاشرة ربما، وستكون أمراً عسير التحقق مع شروط روسية لن توافق عليها أنقرة، ما يعني أن الإصرار الروسي على أن كل من يرفع السلاح في وجه نظام بشار الأسد هو إرهابي سيكون الرواية المعتمدة من الروس إلى أمد طويل لن ينتهي سوى بهزيمة عسكرية لكل من روسيا ونظام الأسد.

تبقى مسألة أخيرة تتعلق بجثة أحد الطيارين الروسيين المحتجزة لدى إحدى فصائل الجيش الحر، فمن شأن تدخل تركيا في منطقة لها فيها نفوذ، وتسليم روسيا جثة الطيار، نزع فتيل المعركة الدبلوماسية.

وبينما لا يُعرف بعد أي شيء عن مصير الطيار الآخر، سيكون من الليونة أن تقدم تركيا معلومات عنه، وهذا ما لن تقابله روسيا المضطربة سوى بامتنان، وإن على طريقة الدب الروسي.