السبت 28 نوفمبر 2015 / 18:14

مصير السلطة

ما الذي فعله كيري في زيارته الاخيرة لتل أبيب ورام الله؟
ليس مهماً ما نقله عن الإسرائيليين من عروض سواء قبلها أو تحفظ عليها، فهنالك أمر أهم يجدر التوقف عنده لأنه يتعلق بمصير السلطة، وهذا الأمر الهام يتلخص في أن الوزير الذي استثمر جل وقته في القضية الفلسطينية، يئس مثل رئيسه من إمكانية إحراز ولو تقدم طفيف على المسار السياسي المتدهور بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وأكثر من ذلك فقد أغلق وبإحكام الهوامش الضيقة التي كانت تتغذى عليها السلطة سياسياً من خلال احتمال إيجاد تسوية معقولة لإعادة المفاوضات تحت شروط إسرائيلية مخففة، وحين تُغلق الهوامش الأمريكية فبوسعنا تخيل مدى فاعلية الهوامش البديلة دون أن ننسى أن بوسع الولايات المتحدة حمل الآخرين على تضييق هوامشهم أو إلغائها بإدارة الظهر للمسار الفلسطيني الإسرائيلي، حدث ذلك قريباً مع المبادرة الفرنسية التي جمدت بطلب أمريكي وليس بفعل الانشغال الفرنسي بمحاربة الإرهاب، وكذلك الأمر بالنسبة للمبادرة النيوزيلندية، التي لمعت ثم خبت، وهنالك همس حول رغبة يونانية في الدخول إلى هذا المسار الشائك كوسطاء يقولون إن بوسعهم الإفادة من علاقاتهم الجيدة مع الطرفين .

لقد غادر كيري بعد أن صفق الباب وراءه وقال للفلسطينيين بلغة اعتذارية بالغة التهذيب، إنني لا أوافق على اقتراح نتانياهو بالموافقة الأمريكية على الاستيطان وإخماد الهبة الفلسطينية، مقابل أربعين ألف دونم من الأراضي المسماة "C" وهذه الأربعين الف دونم على قلة مساحتها موزعة على عدة مناطق، ووفق رؤية نتانياهو يمكن للفلسطينيين استغلالها دون أن يكون لهم أي شكل من أشكال السيادة عليها، وهذا العرض الهزيل قدمه نتانياهو من أجل أن يُرفض، وحتى لو قُبل أمريكياً وصمت الفلسطينيون عليه فإن التجربة مع نتانياهو تقول: قد يغدق في التصريحات إلا أنه بخيلٌ تماماً في التطبيق.

ما أن غادر كيري تل أبيب ورام الله حتى دعا نتانياهو المجلس الوزاري المصغر المنوط به اتخاذ القرارات السياسية، إلى ما يشبه ورشة عمل استمرت يومين، ناقش فيها المجتمعون من وزراء وقادة عسكريين كبار مصير السلطة الفلسطينية، وما هي السيناريوهات المحتملة حال انهيارها، وماذا يتعين على إسرائيل أن تعمل في هذه الحالة، إنقسم المجتمعون بين من يقول لتذهب هذه السلطة إلى الجحيم فهي غير نافعة وغير قادرة، ومن يقول لنحافظ عليها تحت سيطرة تفصيلية ومتعاظمة.

الأمر ليس مجرد جدل داخل الغرف المغلقة، بل إنه يترجم عملياً على الأرض من خلال التوغل الإسرائيلي المبالغ فيه في السيطرة على حياة الفلسطينيين، فهم يلاحقون المغردين في مواقع التواصل الاجتماعي ويعاقبونهم بالاعتقال والمنع من السفر والحركة، ويراقبون الاذاعات المحلية، ويغلقون بعضها وينذرون البعض الآخر بالإغلاق والمصادرة، ولا ينجو من هذه القبضة الصارمة بعض القادة الفلسطينيين الذين يتعرضون للتضييق والحد من الحركة جرّاء مواقفهم وليس جراء سلوكهم، وهذه عينة تشكل قطرة من بحر في سياسة لا تكل ولا تمل في الإطباق على أنفاس الفلسطينيين بالجملة والتفصيل، وهذا من شأنه وضع مصير السلطة في أحد اتجاهين، إما الانهيار الدراماتيكي العاجل ويراهن الاسرائيليون على أن أهل السلطة سوف يتولون ذلك، وإما الموت البطيء المغلّف بأقوال لطيفة في بعض الحالات مثل "إن السلطة ضرورية لأمن اسرائيل، وفظة في حالات أخرى .. مثل هذه السلطة التي لا تفعل شيئاً يجب أن تختفي". قيادة السلطة من جانبها مثل من ابتلع السكين، فلا هو قادر على قذفها بعيداً ولا هو قادر على هضمها وتفادي آلامها.

ويجري حديث من بعض وجهاء السلطة عن بنك من الخيارات يجري بحثها وانضاجها ومن ضمنها مثلاً احتمال دعوة المجلس الوطني الذي هو البرلمان الشامل للشعب الفلسطيني كله، ليؤمن مخرجاً من المأزق الراهن، إلا أن الفلسطينيين الذين يشعرون بالخذلان الأمريكي لهم، سوف يجدون هذا الخذلان في كل الخيارات التي يتحدثون عنها على الصعيد الدولي، فالأمريكيون حسموا أمرهم بالتماهي مع المواقف الإسرائيلية، والفلسطينيون غير قادرين على حسم أمورهم في أي اتجاه، وهنا يمكن القول إن مصير السلطة في مهب الريح، وعلينا أن نستنتج كيف يكون الوضع على مستوى المشروع الوطني الفلسطيني.