الإثنين 30 نوفمبر 2015 / 18:13

يوم الشهيد: منعطف تاريخي يتجدد فيه العهد والوعد

د. علي بن تميم

بعد أن انتهت فعاليات يوم الشهيد، اليوم في العاصمة أبوظبي، توقف الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، في لحظة تمتزج فيها مشاعر الحزن والفرح والفخر والاعتزاز، ليسأل أحد القريبين منه: ماذا يعني لك يوم الشهيد؟ فكان الجواب بأن يوم الشهيد هو يوم التحام القيادة والشعب، لكن الشيخ محمد بن زايد رد مؤكداً ما ذهب إليه المجيب، وأضاف عليه بأنه يوم استطاع فيه أبناء الإمارات أن يحولوه إلى مناسبة فخر وفرح رغم الحزن، مما يجعل الحياة مليئة بالأمل الذي يقود إلى مستقبل وطني مشرق.

لعلّ الشيخ محمد بن زايد بكلماته هذه كان يعبّر عما يجيش في صدر كلّ إماراتي، خصوصاً أهالي الشهداء الذين عرفهم الشيخ محمد بن زايد عن كثب، بل بدا خلال تسليمهم وسام الشهيد، على درجة عالية من القرب والحميمية بهم، وعلى معرفة شخصية بكلّ واحد منهم، وكأنه يستكمل معهم حواراً سبق وأن أجراه، وهو أيضاً ما أشار إليه في كلمته المتلفزة بمناسبة "يوم الشهيد" حين أتى على ذكر جولاته على مجالس العزاء، وتلك المشاعر الإماراتية الأصيلة التي رغم معرفته بها ومعايشته لها، في مناسبات عدة، غير أنها تجلت أكثر ما تجلت في تلك اللحظات التاريخية.

هذا كله هو ما يمنح يوم الشهيد خصوصيته الفارقة، وما يجعله يوماً وطنياً بامتياز. فهو ليس يوماً للذكرى فحسب، ولا هو يوم عابر مثل معظم الأيام؛ إنه يوم يصطبغ بالخصوصية التي تتكشف في أجمل صورة عندما يحرص حكام الإمارات جميعاً أن يكونوا فيه، مكرمين أسر الشهداء وذويهم، وفي الوقت نفسه مجسّدين مفهوم "البيت متوحد" مرة أخرى، وكأن "يوم الشهيد" الذي وصفه الشيخ محمد بن زايد بالتاريخي، هو كذلك أيضاً بسبب اجتماع الإمارات كلها فيه، ومن أجله، وحول القيم السامية التي يجسّدها.

هذا اليوم التاريخي الذي أمر به رئيس الدولة الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، بعد أن استشعر عواطف الإماراتيين الجياشة حزناً وفخراً على شهداء الوطن، وبعد أن أحسّ بفطرة القائد الملتصق بشعبه، بأن الشهداء البواسل بعثوا روحاً جديدة في سماء الوطن وأضافوا بعداً متجدداً إلى الهوية الوطنية الجامعة وجسدوا بارتقائهم عواطف إماراتية صادقة جياشة مليئة بالفخر والاعتزاز بالشهيد الذي تجلى بوصفه رمزاً وطنياً ازدانت به جميع أيام الوطن.

لقد حدد رئيس الدولة يوماً للشهيد ليصبح واسطة العقد، إذ تتصاعد فيه مشاعر الإماراتيين الوطنية، عاطفة جياشة تتوّج يوماً مضى وهو يوم العلم وتتطلع إلى يوم مقبل هو اليوم الوطني لدولة الإمارات العربية المتحدة في الثاني من ديسمبر، سيد الأيام جميعاً، واللؤلؤة التي ترصّع العقد وتجعله متلألئاً نضراً، وتظل الأيام الثلاثة، من الأركان التي تزدهي بها السنة الإماراتية.

وليس من قبيل المصادفة أن يقام يوم الشهيد، وأيضاً نصب الشهداء، فوق ربوة مطلة على جامع الشيخ زايد الكبير الذي ضمّ في جانبه ضريح الراحل الكبير الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان مؤسس دولة الإمارات وصانع مجدها وهويتها، فهنا تكتمل رمزية المكان والمناسبة، إذ يقع جامع الشيخ زايد الكبير فوق ربوة عالية على مدخل أبوظبي عاصمة دولة الإمارات العربية المتحدة، وهو ما يمنح النصب التذكاري للشهداء مكانة هو الآخر فوق مكانته الرمزية، ذلك أن الدخول إلى العاصمة أبوظبي لا يكون إلا بالمرور على الجامع والنصب التذكاري، وبذلك فهو عبور من ضفة إلى ضفة رمزية أخرى تحتفل ملوّحة بجماليات العمارة العربية الإسلامية وأصالتها من جهة، وتتشح بمعاني الوطنية والبسالة والتضحية والفداء والذاكرة الخالدة للقوات المسلحة الإماراتية، من جهة أخرى.

كل من شهد فعاليات يوم الشهيد، أحسّ عميقاً بالزخم الروحاني لهذا اليوم، متجلياً في العواطف العابقة والمشاعر الصادقة، وباعثاً على الأمل، و"على هذه الأرض ما يستحق الحياة".. هو يوم من أيام الوطن، تنزلت فيه لغة الجلال والجمال، لتعلو في قداستها وتعرج إلى الأرض في لحظة واحدة.