الإثنين 25 يناير 2016 / 20:22

الروبل الروسي بين ريع النفط المتهاوي و"الرمح كوبو"

24- علي العائد

يتكون الروبل الروسي من 100 كوبيك. وكوبيك مشتقة من لفظ "كوبو"، وهو الاسم الروسي لرمح القديس جورجيوس الذي قتل به التنين.

وربما كانت مباركة رأس الكنيسة الأرثوذكسية للطائرات الروسية في طريقها لقصف "الإرهابيين" في سوريا قبل 116 يوماً تأتي في هذا السياق. لكن البطاركة ورجال الدين لن يفيدوا في تحسين وضع الاقتصاد، أو عملة البلاد.

وتحسن سعر الروبل الروسي قليلاً مع إغلاق السوق الفورية للعملات والأسهم والمعادن (فوركس) يوم الجمعة الماضي إلى 79.71 روبلاً مقابل الدولار الأمريكي، صعوداً من أدنى سعر على الإطلاق للعملة الروسية وصل إليه الخميس، عند الإغلاق وقدره 84.75 روبلاً، مقابل الدولار، متأثراً بصعود أسعار النفط في السوق العالمية. كما صعد أمام اليورو بمقدار 3.37 روبلات إلى 86.62 روبلاً.

حضيض الروبل
وفي الحقيقة، هذا السعر للروبل يوم الخميس ليس الأدنى له على الإطلاق. إذ تراجع في منتصف ديسمبر(كانون الأول) 2014 إلى سعر 88 روبلاً مقابل الدولار، قبل أن يتحسن بشكل دراماتيكي في نهاية التعاملات ليغلق عند حدود 75 روبلاً مقابل الدولار.

هذه القيم تتحدث عن الروبل الجديد بعد إصلاحه عام 1998.

بالعودة إلى النقطة التاريخية للانهيار، بلغ الروبل نقطة الحضيض عندما أصبح الدولار الأمريكي يعادل 6000 روبل في السنوات التالية لانهيار الاتحاد السوفييتي في1991، انخفاضاً من سعره في السوق السوداء في نطاق (6 - 10) روبلات للدولار الواحد طوال ثمانينيات القرن الماضي.

لكن الحكومة الروسية أصلحت الروبل في 1998، بإصدار روبل جديد يساوي 1000 روبل قديم. ونتيجة لتعويم سعره، وتحوله إلى عملة قابلة للتحويل غير مرتبطة فعلياً بالمكافئ الذهبي، استقر سعر الروبل الجديد في نطاق (7 - 8) روبلات لكل دولار واحد، مرتفعاً، أو منخفضاً، تبعاً لقانون العرض والطلب.

اقتصاد ريعي

تعتمد روسيا في تمويل موازناتها السنوية على النفط والغاز بنسبة تصل إلى 70%، ولا يفوقها في اعتماد هذا الشكل من الاقتصاد الريعي سوى دول الخليج التي تعتمد في موازناتها على النفط بنسبة تفوق 90%.

والمهم في أخبار الروبل منذ منتصف 2014 حتى نهايات 2015 هو تراجعه من نطاق (30 - 32) روبلاً إلى نطاق (65 – 70) روبلاً.

سببان مباشران يقفان وراء ذلك، اقتصادي: من خلال الاعتماد المفرط على إنتاجها الكبير من النفط والغاز، وسياسي: من خلال تدخلها السلبي من وجهة نظر السعودية في الأزمة السورية.

يمكن إضافة سبب آخر لتدهور الروبل، وهو تدخلها في أوكرانيا، وضمها شبه جزيرة القرم، وفرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على روسيا نتيجة ذلك.

هذا بالإضافة إلى عوامل هيكلية تخص تركيبة الاقتصاد الروسي المشوهة، والأقرب إلى اقتصادات دول العالم الثالث، من حيث الاعتماد شبه الكلي على تصدير الخامات، وعدم تحقيق قفزة كافية في الاقتصاد المعرفي، والفشل حتى الآن في النجاح بإنتاج منتجات ذات قيمة مضافة عالية، مثل الإلكترونيات، والزراعات النادرة، والأدوية النوعية. ربما كان مردود بيع الأسلحة كبيراً، كون روسيا أحد كبار مصدري الأسلحة، لكن عائد الأسلحة وحده لا يكفي.

المضاربون
كما لعب المضاربون دورهم في انهيار العملات، دائماً. واستغل المضاربون التربة الخصبة للروبل ضعيف المقاومة، مستغلين اضطراب السياسية الخارجية لروسيا. أثار المضاربون الإشاعات، فهرب مجموع الناس من الروبل إلى الدولار، فاشترى المضاربون الروبل، ثم نشروا إشاعات عن تحسنه، فبدأ الجمهور بشراء الروبل لتتحسن قيمته بشكل كبير، فاستعاد المضاربون دولاراتهم بفوارق ربحية هائلة.

حرب النفط
في منتصف 2014، بدأت حرب خفية - معلنة تقودها المملكة العربية السعودية في "أوبك" ضد روسيا. وفي أقل من خمسة أشهر خسر الروبل نصف قيمته مع خسارة برميل النفط لنصف قيمته أيضاً.

ومن تابع مؤتمر "أوبك" الأخير في مقر المنظمة في فيينا، في 4 ديسمبر(كانون الأول) الماضي، يدرك أي حرب تخوضها السعودية على "جبهة" أوبك ضد روسيا، من خلال ضغطها على أعضاء أوبك للالتزام بالحصص المقررة، وإصرارها على عدم تخفيض سقف الإنتاج.

بالطبع، روسيا ليست عضواً في أوبك، لكنها المنتج الأول للبترول في العالم بواقع 11.2 مليون برميل يومياً.

يقول محللون إن "وصول الإنتاج اليومي من النفط إلى هذه النقطة يعني أن روسيا لا تستطيع إنتاج برميل واحد زيادة على ذلك، على العكس من الولايات المتحدة التي تنتج 8.65 مليون برميل يومياً، ولديها مرونة في زيادة الإنتاج إن أرادت، خاصة بعد رفع الكونغرس الحظر عن تصدير النفط قبل شهر من الآن".

وكذلك، تمتلك السعودية مرونة في زيادة إنتاجها، الذي لا يقل عن 9 ملايين برميل يومياً منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي، ولم يزد على 12 مليون برميل.

ولهذا السبب، لعبت السعودية دورها في زعامة أوبك من خلال دور "المنتج المكمل" لتحديد سقف الإنتاج بالزيادة، أو النقصان، ولـ"معاقبة" الدول التي تنتهك حصتها المقررة في اجتماعات أوبك الدورية كل ثلاثة أشهر.

عض الأصابع
وأشار تقرير لـ"أوبك" أن السعر الإسمي لسلة خامات أوبك (12 نوعاً من الخامات) سيصل إلى 160 دولاراً للبرميل في عام 2040، بافتراض نمو الطلب العالمي على النفط بنسبة 20% عما هو عليه الآن.

وأشار التقرير الذي نشر في 23  ديسمبر(كانون الأول) الماضي إلى أن القيمة الافتراضية لسلة خامات المنظمة ستصل إلى 123 دولاراً للبرميل بحلول عام 2030، و80 دولاراً للبرميل بحلول عام 2020.

وتستطيع السعودية، وعدد من دول أوبك، الصبر أربع سنوات، وربما 14 سنة، حتى تعوض خسائر خمسة أعوام، أو 15 سنة. فهذه الدول تمتلك احتياطات نقدية، وصناديق سيادية، هدفها بشكل جزئي مواجهة الطوارئ من هذا النوع، لكن الشكك يحوم حول صمود روسيا كل تلك المدة، حتى لو أشعلت عشرين حرباً في عشرين دولة، مستعينة بالرمح كوبو!.