الإثنين 1 فبراير 2016 / 18:31

الفاعل مجهول دائماً؟ ليس تماماً

في الأدب وفي السينما تعتمد الحبكة الروائية في تشويق القارئ والمشاهد على دراما متصاعدة تقود في النهاية إلى الكشف المثير عن "الفاعل" الذي يكون مجهولاً في بداية النص. لكن هذا "الفاعل"، في دراما الحياة، يظل مجهولاً ومحجوباً عن العين وعن العقل، لا يعرفه أحد ولا تمتد يد إلى صندوق أسراره.

لذا نكتفي برواية تفاصيل المشهد العربي الغارق في الدم، ونتابع تفاصيل التصعيد الدرامي ونحن حائرون وعاجزون عن فهم دوافع الجريمة ناهيك عن تحديد هوية المجرم.

هذا هو حالنا في الملهاة المأساوية التي تتعاقب فصولها في بلادنا التي تأكلها النار ويمتد الحريق فيها من بلد إلى آخر، لتسقط العواصم وتنهار البلاد كما تنهار الأبنية المتصدعة المقامة على رمال متحركة.

ما الذي جرى ويجري في سوريا؟ ومن يتحمل إثم سفك الدم، ومن يتسبب في كل هذا الخراب؟
هل هو النظام القمعي الطائفي أم المعارضات الظلامية الطائفية؟ أم أن هناك عبثاً عابراً للمحيطات يشعل أعواد الكبريت الطائفي في البلاد؟
لا نجد الجواب في "جنيف 3"، فالمجتمعون هناك مجرد أعواد كبريت جاهزة للاشتعال السريع.

وما الذي جرى ويجري في العراق؟ ومن يتحمل القتل على الهوية ويشيع الموت على ضفاف الرافدين؟
هل هو النظام الطائفي المحقون فارسياً بالحقد على العرب أم المعارضة الظلامية المسلحة بقناعات أصولية تتقاطع مع الثوراة؟ أم أن هناك أدوات في الصفين تحولت أيضاً إلى أعواد كبريت تشتعل قرب آبار النفط العربي؟
لا نجد الجواب في بيانات الحكومة أو الهذيان الداعشي.. ونظل حائرين.

ما الذي جرى ويجري في ليبيا، ومن يتحمل مسؤولية هذا الجنون الطاغي في بلد يتجبد على بحر من النفط.. ويجوع!
لا نجد الجواب في قاعات المفاوضات التي يرعاها ليون، ولا نستطيع تفسير الحاجة إلى "خواجا" يرعى المصالحة بين الليبيين التائقين إلى العيش في دولة مؤسسات بعد عقود من سيادة الفوضى في البلاد التي يعبق ترابها بإرث عمر المختار!

وما الذي يجري في اليمن؟ ومن يتحمل حصار المدن وتجويع أهلها؟ وهل يستحق الولاء لطهران هذا الانقلاب الدموي على الذات؟
يفتي محللون وسياسيون وباحثون عرب أن الحروب الداخلية في بعض الحواضر العربية في زمن "الربيع" مدفوعة باصطفافات طائفية، ويضيف هؤلاء بأن التعددية العقائدية القائمة في هذه البلاد تخلق بيئة مناسبة للصراع الدموي.

بالطبع، لا يصمد هذا التحليل أمام الواقع، لأن هذه التعددية لم تتشكل في زمن الربيع العربي، ولأن السنة والشيعة موجودون على هذه الأرض منذ تأسست فيها الدول، وهم سنة عرب وشيعة عرب أيضاً.

ثم إذا كانت التعددية سبباً في اشتعال الحروب المجتمعية، لماذا تظل إسرائيل المتشكلة من خليط هجين من القوميات والطوائف بعيدة عن الصراع الداخلي وعن الخراب؟ ولماذا يتوحد اليهود الاشكناز والسفرديم والأصوليون والليبراليون، ويقتتل السنة والشيعة العرب؟
وكيف يمكن أن يتعايش اليهود الروس والبولنديون مع اليهود الأمريكيين والفرنسيين في كيان يتحول من المشروع الصهيوني إلى الدولة اليهودية "النقية"، ولا يتعايش سنة الأنبار والشام مع شيعة البصرة وعلويي الساحل في مركزين لدولتي الفتوحات العربية؟

قد يكون هذا سبباً لذاك أو نتيجة له، وقد يكون في ما قاله الرئيس الأمريكي باراك أوباما في سفارة إسرائيل في واشنطن يوم الأربعاء الماضي دلالة على الكشف الدرامي لهوية الفاعل الذي ظنه الكثيرون مجهولاً.

كان أوباما يخاطب مضيفيه الإسرائيليين والعالم كله حين قال "كلنا يهود"! وكان علينا أن نلتقط هذه الإشارة حتى لا نتحول إلى يهود جدد في ربيع متهود. الفاعل ليس مجهولاً، وهو يعلن جهاراً مسؤوليته عن هذا الخراب.. هل انتهت الرواية؟!