الجمعة 5 فبراير 2016 / 18:54

مشهد فلسطيني ضبابي

يمكن تلخيص الحالة الفلسطينية بأنها أشبه ما تكون بجسد مريض يتناهشه أكثر من مرض وداء، فعلاوة على فشل مسلسل المصالحات المتواصل منذ سنوات طويلة بين حركتي فتح وحماس واستمرار حالة الانفصال في الجغرافيا الفلسطينية، هناك الانفصال الخطير بين الشارع الفلسطيني المنتفض منذ أكتوبر الماضي وبين السلطة الفلسطينية التي تفاجأت هي الأخرى كما إسرائيل بالانتفاضة الشعبية، وما زالت عاجزة عن التعامل معها وفي كيفية احتوائها، فالسلطة الفلسطينية من جهة ملتزمة بالتنسيق الأمني مع إسرائيل ومجبرة بموجبه مواجهة الهبة الشعبية، ومن جهة أخرى لديها المخاوف الجدية من أن تتحول هذه الانتفاضة ضدها.

كما أن السلطة نفسها تواجه أزمة داخلية غير مسبوقة حيث أن رئيس السلطة بات يشعر بحكم عوامل كثيرة وبخاصة تقدمه في السن أن موضوع تعيين نائب له بات أمراً ضرورياً، وأن عامل الوقت لا يلعب لصالح إبقاء الوضع عرضة للصدفة، وتحديداً في ظل أجواء مشحونة بالتنافس والعدائية سواء في داخل منظمة التحرير الفلسطينية أو داخل السلطة نفسها، أو داخل مركزية حركة فتح.

وفي الآونة الأخيرة بات موضوع خلافة عباس قضية ساخنة ليس لدى الجانب الفلسطيني سواء الرسمي أو في الشارع، بل أصبح قضية مهمة في الأوساط السياسية والأمنية الإسرائيلية التي تتخوف من غياب عباس المفاجئ عن المشهد السياسي الفلسطيني، حيث تقدر تلك الأوساط بصورة كبيرة أن من سيخلف عباس في رئاسة منظمة التحرير وفتح والسلطة سيكون أكثر صلابة في التعامل مع إسرائيل بناء على رصيد عباس في المرونة وعدم الرغبة بالتصادم مع إسرائيل وتمسكه الشديد والعميق بموضوع التنسيق الأمني معها.

كما ربطت الكثير من الأوساط الإسرائيلية بين غياب عباس وحل السلطة أو تغير نهجها وهياكلها باعتبار أن السلطة الحالية وأجهزتها الأمنية وتركيبتها باتت حالة لصيقة بعباس وجزءاً أساسياً من صناعته، وأن مجيء شخص آخر للموقع الأول يعني بالضرورة أن "ثورة داخلية" ستحصل تغيب بسببها الكثير من الوجوه والشخصيات، وتتغير الكثير من المواقع، هذا علاوة عن تغير النهج السياسي والأمني باتجاه سياسات أكثر "راديكالية"، أي في المحصلة ستكون هناك سلطة جديدة غير الموجودة حالياً تماماً، كما حصل بعد غياب ياسر عرفات ومجيء محمود عباس.

هذا التصور تتعامل معه إسرائيل وبعض العواصم العربية بجدية بالغة، حتى أنها أخذت تدرس الخلفاء المحتملين للرجل وكيفية التعامل مع كل شخصية منهم في حال توليه المسؤولية.

هذه العوامل المتشابكة والمتضاربة زادت من إشكالية الحالة الفلسطينية، ومن عجز قيادة السلطة والمنظمة وحتى الفصائل في التعامل مع واقع الاحتلال وعمليات الاستيطان المتنامية بشكل هستيري، والجمود في مشروع المفاوضات والموت السريري لاتفاقيات أوسلو، فكل تلك الأطراف المشار إليها لا تملك مشروعاً وطنياً جامعاً، بل إن الأمر يتعدى ما سبق حيث نجد أن التضارب والتناقض موجود في صميم الرؤية السياسية النظرية لهذه المكونات، في الوقت الذي نرى فيه الشارع الفلسطيني بات صاحب المبادرة وصاحب القرار، وهو من يأخذ الأمور يوماً بعد يوم منحى المواجهة والانتفاضة الشعبية في وجه الاحتلال.