احتجاجات على العنف الذكوري ضد المرأة في كولونيا
احتجاجات على العنف الذكوري ضد المرأة في كولونيا
السبت 6 فبراير 2016 / 22:19

صحيفة ألمانية: عار المهاجرين والمعنى المتغير للتحرش

24- طارق عليان

ليس من المقبول أن يتحرش الرجل بالنساء في الغرب، حيث اكتسبت عقود من الاحتجاج ضد هذه الظاهرة معاييراً ثقافية أكثر تقدمية، لكن وسط الغضب المتصاعد بشأن تحرش المهاجرين بالألمانيات، ضاعت مشاعر الذل التي يحسها اللاجئون الذكور الذين ليس لديهم عمل أو مال أو فرص للاندماج، حسبما أفادت صحيفة "سو دويتشه تسايتونج" الألمانية في تقرير لها السبت.

وبحسب الصحيفة، فمن الواضح أن لفظة "تحرش" لديها فرصة ممتازة لتصبح كلمة العام في ألمانيا 2016، إذ تصدرت عناوين الصحف الرئيسية في كولونيا ليلة رأس السنة الجديدة، وبأحواض السباحة والنوادي الليلية في فرايبورغ وضمن البلدات والمدن الواقعة بينها.

وفي الحالات التي تم الإبلاغ عنها على نطاق واسع، لم يكن الجناة من أصل ألماني، وإنما عادة رجال عرب من خلفيات إسلامية سافروا إليها في مجموعات.

ولم يحصل اصطدام التصورات المختلفة عن مفهوم "العار" اهتماماً كافياً، وسط موجات الغضب التي تلت تلك الأحداث، ويعتبر العار المسؤول عن تنظيم ما هو مقبول ومناسب داخل الثقافات وما هو غير مقبول، وهي نقاط بحاجة للمناقشة.

وبحسب الصحيفة، فإن أغلب النساء هن مَن قاتلن من أجل التحرر من المشاعر القمعية للعار منذ الخمسينيات، لكن تصطدم إنجازاتهن الآن بعدم فهم العديد من المهاجرين لتلك الحقائق، إذ لا تثنيهم تصوراتهم الخاصة عن العار عند لمس النساء اللاتي لا تردن بوضوح أن يلمسهن أحد.

تحول طويل الأمد
وستؤكد الحركة النسوية أنها تجسيد لحالة الرجال الذين يعاملون النساء على أنها مجرد "كائنات جنسية"، ووفقاً لتقرير الصحيفة الألمانية، فإن الأحداث الأخيرة توضح كيف أن المعايير الأخلاقية في الغرب جاءت نتيجة تحوّل طويل الأمد داخل الثقافة.

وتشير الصحيفة إلى أن ظاهرة إن التحرش بالنساء تعود إلى ظروف ما بعد الحرب، عندما تسببت الممثلة الألمانية هيلدغارد نيف في فضيحة كبرى بفيلمها المذنبة، بعد أن ظهرت فيه عارية تماماً لثوانٍ معدودةٍ، وحينها لم يكن يسمح للمرأة المتزوجة قيادة السيارات.

وتضيف الصحيفة: "لكننا إذا رجعنا بالزمن إلى الوراء، فسيتبين لنا أن الشعور بالعار والفضائح المصاحبة له لا تستيقظ فقط عندما تتصادم الخلفيات الثقافية والدينية، كما هو الحال الآن، وتُعد التأثيرات الدينية والأخلاقية بمثابة عوامل حاسمة، لكن حتى البرجوازية والطبقة العاملة، اللتين تقاسمتا السلوك الديني والأخلاقي ذاته، اختلفتا في وقت من الأوقات حول السلوكيات اللائقة".

ولفتت الصحيفة إلى أن الرجل "اتّبع المعايير المزدوجة التي فرضت على المرأة المتزوجة الالتزام بقواعد العفة والورع، ولزوجها حرية العبث بثقافة الدعارة الخبيثة، ولم تسمح الظروف التي أحاطت بمعظم الطبقة العاملة بمراعاة مشاعر الآخرين، وتدنى الشعور بالعار إلى أدنى حد ممكن عملياً، إذ عاش المزارعون والعمال، جنباً إلى جنب مع أسرهم بالكامل، في غرفة نوم واحدة لعدة قرون".

وأضافت: "كان الربط المباشر بين العار والخصوصية، فضلاً عن الديمقراطية بعد الحرب وزيادة الرخاء، هو ما أدى فقط إلى وضع تصور موحد اجتماعياً لمفهوم العار".

معارك كسبها الغرب بشق الأنفس
ووفقاً للتقرير، فإن ضراوة المعارك ضد القوانين والأعراف الأخلاقية السائدة خلال القرن العشرين لا تخفي حقيقة أنها كانت تشكّل أيضاً تمرداً ضد التهديدات المصاحبة للعار.

وكان على الحركات النسوية وحركات الحقوق المدنية للسود أن تحارب بشدة ضد الاحتقار التي كان يستهدف تصوراتهم الخاصة للعار، فإن السخرية من كرامة الإنسان وجعله يشعر بالنقص، كان وما زال تكتيكاً ناجحاً بشكل لا يصدق في أيدي النخب القوية، وهذا بالضبط التكتيك الذي سمح لهذه النخب بحبس تجمعات كبيرة داخل شعورهم الخاص بالعار.

وينتمي الفقر أيضاً إلى هذا الجمع المعقد من الوجود المخزي، الذي يغذي الشعور بالذنب بدلاً من الثقة بالنفس، ولا يمكن التحرر من العار على مر التاريخ إلا عندما يحرر كثير من الناس أنفسهم من العزلة العاطفية من خلال التضامن.

يعيش المجتمع الألماني في الوقت الحاضر في ضوء إدراكه بأن كل شخص لديه فهم جيد نسبياً بالاتصالات الجسدية التي تُعد موضع ترحيب، وتلك التي يُنظر إليها باعتبارها انتهاكاً للخصوصية، لكن هذا الإجماع الذي تم اكتسابه بشق الأنفس يواجه تهديدات الآن من نظام قيمي أجنبي، تقول الصحيفة.

فهم مفهوم العار لدى المهاجرين
وتضيف الصحيفة: "ما يجب علينا فهمه هو أن المتحرشين يشعرون بالعار مثلنا تماماً، وعلى الرغم من الترحيب الحار الذي تلقاه العديد منهم، فهناك حقيقة أن اللاجئين الذكور العزاب يجدون أنفسهم في وضع مهين، فهم بدون مال وعمل ومكانة اجتماعية ومعرفة باللغة المحلية، ويعيشون في حاويات شحن أو خيام على حدود المدينة، وبالتالي ليس لديهم حظوظ للتعرف بالنساء، فضلاً عن ذلك، فإنهم يقاومون كراهية العرب الحالية والمتنامية في المجتمع الغربي".

وتابعت: "يتوجب على الألمان، أن يتذكروا كيف يمكن أن تتحول مثل هذه الإهانة للكرامة إلى اعتداءات جنسية، كما كان الحال بالنسبة للموجة الأولى من العمال الأتراك الضيوف، الذين جاءوا للإقامة في ألمانيا، إذ عاشوا أيضاً على حافة المدن ولم يصطحبوا عائلات من تركيا، وانتشرت سمعتهم السيئة في تلمس النساء ".

وتؤكد الصحيفة أنه "يتعين كسر هذه الدورة من المهانة إذا أردنا أن نعيش معاً بنجاح، استغرق الأمر عقوداً من الرجال الألمان للوصول إلى النتيجة ذاتها، لذا من السخف تماماً أن نظن إمكانية تحقيق تحسّن في سلوك اللاجئين الذكور عبر تدابير قصيرة الأجل، فالدورات السلوكية ورذاذ الفلفل وتشديد التشريعات وتغطية التماثيل العارية في زيارة للرئيس الإيراني، كما حدث في روما، لا يمكن أن يحوّل مجموعة عدوانية من الرجال إلى مواطنين صالحين".

وتختتم الصحيفة تقريرها بالقول: "الحل الوحيد هو أن نسلك نفس طريق الصبر والصراع الذي سلكناه من قبل، وعلينا أن نأخذ هؤلاء الناس الذين يشعرون بالمهانة من هامش المجتمع ودمجهم في موضع القلب، جسدياً واقتصادياً واجتماعياً، وبينما ننفذ تلك العملية، يمكننا أن نشرح للمنتهكين لماذا لا يعلو الصراخ من الصدمة عندما يلمس شباب ألمان فتيات بالبيكيني تحت تأثير الخمر، إذا كنا حقاً صادقين، فإن الطريقة التي ينظر بها الألمان للعار لا تزال معقدة للغاية".