الإثنين 8 فبراير 2016 / 19:02

كلام سياسي دون بندقية لا يعوّل عليه

كل كلام سياسي عن سوريا ليس وراءه بندقية لا يعوَّل عليه.

هذا ما قالته جبهات حلب، قبل هدوء يوم السبت الماضي، بعد تقدم كبير لقوات النظام مدعومة بغطاء جوي روسي في الأيام السابقة.
ارتفاع وتيرة هجمة النظام ترافقت مع بدايات جولات المبعوث الأممي إلى سوريا، ستيفان دي ميستورا، بين فندقي وفدي النظام والمعارضة في جنيف.

تسخين الجبهات كان سبباً رئيساً في تعليق مفاوضات "جنيف3"، التي لم تبدأ أصلاً، كون المعارضة ذهبت بشرط إنساني أخلاقي يقضي بـ"إبداء النظام حسن النوايا"، وفك الحصار عن المدنيين، والسماح بدخول المساعدات الغذائية والدوائية لأكثر من 400 ألف مدني محاصرين في مناطق عديدة.

النظام وحلفاؤه فعلوا عكس ما طلبت المعارضة، فانبرى وزير خارجية النظام، وليد المعلم، ليقول إن إغاثة المحاصرين شأن سوري، والمفاوضات كذلك شأن سوري - سوري، بدليل أن أكثر من 50 ألف مدني يقفون على الحدود السورية التركية في انتظار منَّة من "المجتمع الدولي"، أو من تركيا، "غير المضطرة" لإغاثة هؤلاء الملهوفين على حدودها.

اشتعلت الجبهات منذ الثلاثاء الماضي، وتصاعدت الوتيرة يومي الخميس والجمعة، ثم هدأت السبت، في حلب وحمص وحماة ودرعا.
الذروة كانت في حلب، التي كاد النظام أن يطوقها ويقطع طرق الإمداد عنها، إن كان هذا الإمداد موجوداً أصلاً.

ومع أن النظام لا يملك أي حل سياسي لسوريا، غير البندقية، إلا أن المعارضة لا تمتلك من السياسة، أو البنادق، شيئاً، بالرغم من جدارة دفاعها عن المدنيين المحاصرين، أخلاقياً وسياسياً، وبالرغم من تمسكها بتفاؤل الإرادة، تاركة لنا تشاؤم العقل.

المعارضة، بما فيها المقاتلون، فهمت أن انحيازها إلى الناس، وتنازلها قليلاً أمام النظام، هو من أجل ما بقي من سوريا.

النظام فهم ذلك بطريقته، وطريقة حلفائه، الذين لا يعرف أحد على وجه اليقين ماذا يريدون من الجغرافيا السورية، أو المجتمع السوري.

"جنيف4" لن يأتي في وقت قريب، حتى لو اجتمع الأخوة الأعداء هناك في 25 شباط (فبراير) الجاري، بينما تقول خلاصات احصائيي فريق "دي ميستورا" أن فرصة الحل السياسي أقل قليلاً من 63%. النسبة تثير التفاؤل والتساؤل معاً، مع أن استقرار الحال السورية قد يحتاج إلى 18 سنة قادمة! حسب فريق ديمستورا نفسه.

بالطبع، خلاصات "جيش دي ميستورا من المستشارين والتقنيين"، إضافة إلى الطلة البهية لـ"نساء سوريا"، و"مجتمعها المدني"، لا يُعوّل عليها، فمن يتابع "خراب الدورة الدموية" في سوريا قد يرى في هذه الـ"18" سنة بعض التفاؤل، لأن جملة ما يجري على الأرض، حتى مع صمت السلاح في بعض المناطق، أكبر بكثير مما يدركه دي ميستورا و"جيشه".

وحده، نظام الأسد في دمشق يعرف ما يجري، وهو على اتصال وثيق بحلفائه في كل لحظة، على إيقاع المأساة المستمرة منذ خمس سنوات.
التحالف الدولي الذي بدأ بقصف داعش منذ 24 أيلول (سبتمبر) 2014 لا يزال يعتقد أن المعركة مع "التنظيم" تجري بشكل جيد. لكن التنظيم "يتمدد" و"يتدلل"، بل انتعشت قوته منذ أن بدأ التدخل الجوي الروسي في سوريا، كون أعداء النظام من مقاتلي المعارضة يوزعون جهدهم ومواردهم بين قتال النظام في حلب، وقتال داعش المتربص للانقضاض على المعارضة، دون أن تستطيع هذه اتقاء نيران الطائرات الروسية التي قدمت خدمات مجانية للتنظيم بقصفها فصائل الجيش الحر "الإرهابية" حسب الرؤيا الروسية.

سيجتمع وزراء دفاع دول التحالف الدولي لمحاربة داعش في بروكسل يومي الأربعاء والخميس المقبلين، وستكون الدعوة السعودية لإرسال مقاتلين إلى سوريا في قلب هذا الاجتماع، بعد "ورود أنباء أن قوام هذا التدخل سيكون 150 ألف مقاتل"، وأن الاستعداد السعودي بدأ قبل الإعلان عنه بمدة تكفي للقول إن هذا العزم وشيك البدء، خاصة أن ولي ولي العهد، وزير الدفاع السعودي، الأمير محمد بن سلمان، سيكون حاضراً في ما وصف بـ"المحادثات الحاسمة" يوم الخميس المقبل.

وإذا كانت ردة فعل النظام على لسان الوزير المعلم جاءت من باب المضحك بقوله كلاماً شبيها بتعليقه على بدء الضربات الجوية ضد داعش في أيلول 2014، من أن "أي دولة تريد الاعتداء على سوريا عليها أن تنسق مع النظام"، فإن رد الفعل الروسي سيكون في غاية الارتباك، كون ظاهر التدخل الروسي في سوريا أنه لـ"محاربة الإرهاب" في سوريا، مع مفارقة تزيد من هذا الارتباك "البوتيني" حين أعلن لرأيه العام المحلي، قبل أسابيع، أن تدخله غير مكلف في سوريا، وأن أي مناورات للجيش الروسي ستكلف الخزانة الروسية أكثر من التكلفة التي يدفعها الكرملين في سوريا.

لن يذهب الجنود السعوديون، وحلفاؤهم، إلى سوريا دون بنادق، ودون سياسة. بهذا ستواجه المملكة بنادق داعش، ولن تسحب فقط ذريعة "محاربة الإرهاب" من روسيا وإيران، بل سيحرج تنفيذ عزمها حلفاءها في محاربة داعش، ليقدموا على الأقل بنادق للثوار في سوريا.

لعل المراقب يدرك أن صنعاء ستصبح شبه محاصرة قريباً، بما فيها من حلفاء إيران الحوثيين، وقوات علي عبدالله صالح.
حلب أيضاً تكاد أن تصبح دائرة تحيط بها قوات النظام السوري وحلفاؤه.

في الربط بين الحالتين، تواقتاً مع الخطوة السعودية، ما يدل على أن البنادق لن تدع مياه السياسة، على الأقل، راكدة.