الثلاثاء 9 فبراير 2016 / 13:18

تقرير| خيار ميركل الصعب: استرضاء الناخبين أم إنقاذ اللاجئين؟

24 - إعداد: مروة هاشم

قالت مجلة "نيوزويك" الأمريكية، في تقرير نشرته اليوم الثلاثاء على موقعها الإلكتروني، إن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل تتعرض إلى ضغوط شديدة من الناخبين والسياسيين، من أجل تغيير سياستها تجاه قضية اللاجئين التي باتت قضية خلافية تهدد وحدة برلين وألمانيا بشكل عام، مشيرة إلى أن تلك الانتقادات وصلت إلى حد المطالبة باستقالة ميركل التي ارتكبت، كما يرى البعض، خطأ كارثياً بسبب موقفها إزاء اللاجئين.

ويوضح التقرير أن مدينة برلين وحدها، التي يبلغ تعداد سكانها حوالي ثلاثة ملايين ونصف المليون نسمة، استقبلت 80 ألف لاجئ خلال العام الماضي، وكان رئيس بلدية برلين صرّح، في مقابلة أجراها في شهر نوفمبر(تشرين الثاني) الماضي، أن "عدد اللاجئين في المدينة، مثل سائر أنحاء ألمانيا، شهد ارتفاعاً ملحوظاً، وخلال شهر واحد فقط استقبلت العاصمة أعداداً فاقت كل اللاجئين الذين دخلوا البلاد في السنوات الثلاث الماضية".

وبحسب مجلس اللاجئين في برلين، وهو منظمة مستقلة تعنى بشؤون اللاجئين، فإن المسؤولين كانوا يناضلون من أجل إيواء الجميع، وجرى إرسال العديد من اللاجئين إلى الملاجىء الكبرى، بيد أن 85% من طالبي اللجوء في برلين كانوا يعيشون في المدارس والصالات الرياضية، وأحد المطارات المجهولة، ومختلف المباني الضخمة الأخرى، التي أعادت السلطات استخدامها في أغراض السكن.

ضغوط
ويؤكد التقرير أن ميركل تواجه خياراً صعباً ما بين استرضاء الناخبين وإنقاذ اللاجئين؛ إذ تتعرض إلى ضغوط شديدة من الناخبين والسياسيين في سائر أنحاء ألمانيا؛ من أجل تغيير سياستها تجاه أزمة اللاجئين. ويرى العديد من أعضاء البرلمان من حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي، الذي تقوده ميركل، أن "الوضع الحالي لا يمكن استمراره لفترة أطول؛ إذ يجب أن تنخفض أعداد اللاجئين، ولابد من تغيير القوانين والسيطرة على الحدود الألمانية".

وتلفت المجلة إلى أن الوافدين الجدد يتم مقابلتهم بالكثير من العداء في الوقت الراهن، لاسيما في أعقاب هجمات باريس (13 نوفمبر 2015)، وحدوث مئات الاعتداءات والسرقات وحوادث التحرش في مختلف أنحاء ألمانيا في ليلة رأس السنة الجديدة، خاصة مع توجيه الشرطة الاتهامات إلى طالبي اللجوء بصفتهم المسؤولين عن تلك الهجمات والأحداث.

وبناءً عليه، يطالب العديد من السياسيين الألمان بضوابط أكثر صرامة للهجرة، ويرى البعض منهم أن ميركل ارتكبت بالفعل خطأ كارثياً في سياستها تجاه اللاجئين، حيث كشف استطلاع للرأي نشرته مجلة فوكس في 29 يناير(كانون الأول) 2016 أن 40% من الألمان الذي شملهم الاستطلاع يرغبون أن تتقدم (ماما ميركل) باستقالتها؛ نتيجة موقفها تجاه اللاجئين".

موقف صعب

وينوه التقرير بأن المستشارة الألمانية تجد نفسها أخيراً في موقف صعب، لاسيما أنها نشأت في ألمانيا الشرقية، ومن ثم فهي تدرك جيداً شعور الإنسان عندما يُحرم من الحرية والفرص، وهي أيضاً مثل معظم الألمان، لديها وعي عميً بالدور الذي لعبته بلادها في الحربين العالميتين الأولى والثانية، ولكن الأمر ازداد تعقيداً في أعقاب الهجمات التي حدثت في مدينة كولونيا بألمانيا في احتفالات رأس السنة.

وبحسب المجلة، بدأ العديد من الألمان بالفعل في تبني وجهات النظر المتشددة، وازدادت أعداد المناصرين للجماعات المعادية للمهاجرين واللاجئين، ولطالما حثت ميركل الألمان على عدم اتباع وجهات نظر "من يحملون الكراهية في قلوبهم"، بيد أنها في الوقت نفسه لا يمكنها أن تتجاهل الانتقادات إزاء سياستها تجاه اللاجئين، وخاصة إذا كانت موجهة من شركائها السياسيين.

وتلفت المجلة إلى أن زعيم الاتحاد الاجتماعي المسيحي أرسل خطاباً إلى المستشارة الألمانية، يحمل تهديداً بتقديم شكوى ضدها في المحكمة الدستورية الألمانية، إذا لم تغير من سياستها تجاه اللاجئين، مطالباً بتشديد الضوابط على الحدود الألمانية، وتقليص أعداد الحصة السنوية من طالبي اللجوء.

مليون لاجىء

ويطرح التقرير عدداً من أراء المسؤولين الألمان وأعضاء البرلمان التي تتفق جميعها في أن أزمة اللاجئين في الوقت الراهن تشكل ضغطاً كبيراً على المجتمع الألماني، الذين أكدوا على أنه "بعد استقبالها لأكثر من مليون لاجىء خلال العام الماضي، تواجه ألمانيا إشكاليات كبرى من الناحية العملية في إعادة هؤلاء الأشخاص إلى أوطانهم".

وتضيف نيوزويك أنه ربما تتوافر لدى ميركل الفرصة لتهدئة الأصوات المعارضة لها في الحكومات، لاسيما أن الانتخابات العامة الألمانية من المقرر عقدها في عام 2017، حيث بدأت المستشارة الألمانية بمحاولة للضغط من أجل إيجاد حلول طويلة الأمد لهذه المشكلة، ومنها تقديم ثلاثة مليارات يورو من المساعدات إلى تركيا خلال شهر نوفمبر(تشرين الثاني) الماضي، في مقابل اتخاذ إجراءات صارمة ضد تهريب اللاجئين إلى أوروبا، وتحسين الأوضاع في مخيمات اللاجئين لتشجيع السوريين على البقاء.

وتشير المجلة إلى أن الحلول طويلة الأمد لم تكن كافية بالنسبة إلى السياسيين الذين لا يزالون يشعرون بقلق متزايد، ويستمرون في الضغط على ميركل من أجل إيجاد حلول فورية؛ وهو ما دفعها إلى الإعلان نهاية الشهر الماضي عن حرمان طالبي اللجوء من المغرب وتونس والجزائر من اللجوء إلى ألمانيا، إلا في حالة إثبات أنهم "ضحايا الاضطهاد"، وكانت الشرطة الألمانية أعلنت أن العديد من مرتكبي أحداث الاعتداءات في عشية رأس السنة الجديدة كانت أصولهم من شمال أفريقيا؛ الأمر الذي يفسر أيضاً جانباً من السياسة الجديدة للمستشارة الألمانية.

المأزق
وفي سعيها للخروج من هذا المأزق، أعلنت ميركل خلال الشهر الماضي أن اللاجئين السوريين والعراقيين سيتم إعادتهم إلى بلادهم بمجرد انتهاء ظروف الحروب، وأن التأشيرات التي مُنحت من قبل تُعد تأشيرات مؤقتة، ولم توضح ما إذا كان سيتم السماح إلى اللاجئين بتقديم طلبات للحصول على الإقامة الدائمة إذا ما تجاوزت فترة بقاءهم مدة السنوات الثلاث التي تسمح بها التصاريح المؤقتة.

وتختتم نيوزويك: "في جميع أنحاء أوروبا الغربية، يبدو أن الكرم الذي شهده اللاجئون خلال العام 2015 انحسر، وبالنسبة إلى الكثير من اللاجئين، كانت ألمانيا بمثابة الملاذ الأخير الذي يعتقدون أنهم سيحصلون فيه على ضمان اللجوء، بيد أنه حتى في أغنى دولة أوروبية التي كانت أكثر ترحيباً باللاجئين، توجد صراعات على قبولهم، وفي ظل محاولات ميركل تهدئة منتقديها من خلال فرض المزيد من القيود، فإنه لم يعد واضحاً إلى أين سوف يتجه اللاجئين الآن. ولكن شيئاً ما آخر يتصدر المشهد بوضوح، وهو أن اللاجئين لا يزالون يصرون على التدفق حتى إذا كانت الحدود مغلقة".