شعار السلطنة العثمانية قبل إلغائها(أرشيف)
شعار السلطنة العثمانية قبل إلغائها(أرشيف)
الثلاثاء 9 فبراير 2016 / 21:12

نيويورك تايمز: كيف أفسدت السياسة الإسلام

24 - طارق عليان

قال الكاتب الصحفي التركي مصطفى آكيول، مؤلف كتاب "قضية الحرية كما يطرحها الإسلاميون" في مقال له نشرته صحيفة نيويورك تايمز: "نحب نحن المسلمون أن نعتقد بأن ديننا هو (دين السلام)، لكن يبدو الإسلام اليوم وكأنه (دين الصراعات وإراقة الدماء). فمن الحروب الأهلية في سوريا والعراق واليمن إلى التوترات الداخلية في لبنان والبحرين، والتنافس الخطير بين السعودية وإيران، ابتُليت منطقة الشرق الأوسط بفتنة بين المسلمين تعود بنا إلى زمن التنافس السني الشيعي القديم" .

في حقيقة الأمر، يضيف الكاتب، لا يقع الدين في قلب هذه الصراعات؛ فدائماً ما تكون السياسية هي المسؤولة عن ذلك.

لكن إساءة استخدام الإسلام وتاريخه يجعل هذه الصراعات السياسية أسوأ بكثير حيث تزعم أحزاب وحكومات وميليشيات أنهم لا يحاربون من أجل السلطة أو الأراضي وإنما من أجل الله. وعندما يُنظر إلى الأعداء بوصفهم مرتدين وليس معارضين، يصعب جداً تحقيق السلام.

الخلط بين الدين والسياسية
وأوضح الكاتب أن هذا الخلط بين الدين والسياسة يفسد الإسلام نفسه، أيضاً، حيث يلقي بظلاله على كل التعاليم الدينية والأخلاقية للدين. ويؤكد القرآن على التواضع والرحمة، وهي المعاني التي تعمل غطرسة وعدوانية الجماعات المتناحرة على تهميشها.

هذه ليست مشكلة جديدة في الإسلام، بحسب الكاتب، مشيراً إلى أنه أثناء قيادة النبي محمد في القرن السابع، والذي اتفق على سلطانه جميع المؤمنين، كان المسلمون يعيشون في مجتمع موحد. لكن بعد فترة وجيزة من وفاة النبي، نشأ التوتر الذي تصاعد إلى سفك الدماء. لم يكن الأمر يتعلق بكيفية تفسير القرآن أو كيفية فهم سنة النبي، وإنما بالصراع حول السلطة: فمَن هو صاحب الحق في الحكم كخليفة للنبي؟

ولفت الكاتب إلى أن هذه هي المسألة السياسية التي أثارت التوتر بين المسلمين في معركة الجمل سنة 656. وفي العام التالي، قاتل المسلمون بعضهم بعضاً في معركة أكثر دموية هي صفين، حيث تقاتل أتباع علي ومعاوية، حاكم دمشق، بما أدى إلى تعميق الانقسامات التي تطورت إلى الانقسام بين السنة والشيعة الذي لا يزال قائما حتى اليوم.

الطوائف
بعبارة أخرى، يوضح الكاتب، على عكس المسيحيين الأوائل، الذين انقسموا إلى طوائف بسبب الخلافات اللاهوتية حول طبيعة المسيح في المقام الأول، انقسم المسلمون الأوائل إلى طوائف بسبب الخلافات السياسية حول من الذي يجب أن يحكم، مؤكداً أنه قد حان الوقت للتراجع عن هذا الخلط بين الدين والسياسة.

وبدلاً من رؤية هذا التسييس للدين كأمر طبيعي، أو حتى، كما يفعل بعض المسلمين، أمر يمكن أن يفخر به المرء، يجب النظر إليه كمشكلة تتطلب حلا. وينبغي أن يبدأ هذا الحل، برأي الكاتب، بنقلة نوعية حول مفهوم "الخلافة".

لا ينطوي الأمر على خطف تنظيم "داعش" البربري لهذا المفهوم لتحقيق الأغراض الوحشية الخاصة بها، وإنما المشكلة أعمق من ذلك بكثير؛ فقد نظر الفكر الإسلامي التقليدي إلى الخلافة على أنها جزء لا يتجزأ من الإسلام، مما أدى بدون قصد إلى تسييس الإيمان لعدة قرون. ولكن لم يكن هذا بتكليف من القرآن ولا النبي (صلى الله عليه وسلم)، وإنما كان نتاج تجربة تاريخية وسياسية للمجتمع الإسلامي.

علاوة على ذلك، عندما نظر الفكر الإسلامي إلى الخلافة باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من الدين، قام القادة السياسيون وعلماء الدين الإسلامي ببناء تقليد سياسي سلطوي حولها.

وطالما اتسم الخليفة بالفضيلة واحترام القانون، ألزم المفكرون الإسلاميون المسلمين بطاعته. برغم ذلك، لم يتحقق هذا التقليد من أن الفضيلة أمر نسبي وأن القوة في حد ذاتها له تأثير مفسِد، ومن الممكن أن يحظى الحكام الشرعيين بمعارضة مشروعة.

إلغاء الخلافة
وأشار الكاتب إلى أنه في منتصف القرن 19، أقدمت الإمبراطورية العثمانية، التي كانت مقراً للخلافة وقتذاك، على استيراد المعايير والمؤسسات الليبرالية الغربية، مما حقق خطوة كبيرة في التقليد السياسي الإسلامي. تم تقليص سلطات السلطان، وتم تأسيس برلمان منتخب وكان يُسمح بإنشاء الأحزاب السياسية. لم يحظ هذا الجهد الواعد، الذي جعل الخليفة رئيساً لملكية ديمقراطية على النمط البريطاني، إلا بنجاح منقوص. وانتهى بإلغاء تركيا مؤسسة الخلافة في حد ذاتها بعد الحرب العالمية الأولى.

جاءت ولادة الحركة الإسلامية في العصر الحديث كرد فعل لفراغ ما بعد الخلافة. فلم تحتفظ جماعات الإسلام السياسي بالنظرة التقليدية التي ترى عدم الفصل بين الدين والدولة، بل أعادت صياغة الدين كدولة. وكتب سيد قطب في ستينيات القرن الماضي يقول: "إنَّ الدين الحقيقي هو النظام الذي وضعه الله لتنظيم شؤون الحياة البشرية".

السياسة فتنة الشيطان
لم يسلك كل المفكرين الإسلاميين هذا المنهج في التفكير. فقد رأى الشيخ "سعيد النورسي" السياسة ليس بوصفها عالماً مقدساً، بل فتنة شيطانية. كتب النورسي قائلا: "أعوذ بالله من الشيطان والسياسة".  وأسس أتباعه حركة مجتمع مدني إسلامية في تركيا، مطالبين الدولة بتوفير الحرية الدينية فقط.  وصاغ أكاديميون مسلمون معاصرون مثل عبد الوهاب الأفندي وعبد الله أحمد النعيم حججاً قويةً لتبني العلمانية الليبرالية التي تحترم الدين. 

وأوضحوا بطريقة ملائمة أن المسلمين في حاجة إلى العلمانية ليكونوا قادرين على ممارسة دينهم على النحو الذي يرونه مناسباً.

وأكد الكاتب أنَّ المسلمين يحتاجون أيضاً إلى العلمانية لإنقاذ الدين من تحوله إلى ألعوبة في الحروب غير المقدسة للهيمنة.

ولا يعني ذلك ضرورة أن يبتعد الإسلام، بقيمه الأساسية للعدالة، عن إطار العمل السياسي؛ بل يمكن أن يلعب دوراً إيجابياً في الحياة السياسية بأن يُلهم الناس قول الحق في وجه السلطة ، "لكن عندما يندمج الإسلام والسُلطة ويصبح بوقاً للحشد في الصراع على السلطة، تبدأ قيمه في التلاشي شيئاً فشيئاً".