الخميس 11 فبراير 2016 / 19:20

ترامب وساندرز و... أمريكا

جاءت نتائج الانتخابات التمهيديّة في ولاية نيو هامبشاير، لتقرع ناقوس خطر مقلق.

فقد فاز عن الجمهوريّين دونالد ترامب، فيما فاز عن الديمقراطيّين بيرني ساندرز!

ما لا شكّ فيه أنّ ساندرز غير ترامب: فالأوّل الذي يصنّف نفسه اشتراكيّاً يستهويه النموذج الاسكندينافيّ، ناقد جدّيّ إلى حدّ بعيد، وامتداد لتقليد بدأه رالف نادر في البحث عن حلول للمشكلات من خارج الأُطر الرسميّة للأحزاب وللطروحات السياسيّة التقليديّة. أمّا ترامب فمهرّج ودجّال وعنصريّ معاً، يقدّم نفسه خلاصيّاً عبر حلول زائفة للمشاكل يتصدّرها التصعيد الغرائزيّ ضدّ "آخر" ما.

بيد أنّ المشترك بينهما يكمن في شعبويّتهما، ومخاطبتهما "الشعب" من فوق رأس المؤسّسات، ناهيك عن تبسيطهما الحلول الممكنة للأزمات الفعليّة.

غير أنّ صعود الرجلين هو بذاته إعلان عن أزمة تلك المؤسّسات وتراجع نسبة الثقة بها. فهناك إحساس أمريكيّ متزايد بأنّ "طبقة" السياسيّين تزداد انفصالاً عن الشعب، وهذا ما يفسّر نجوميّة ترامب وساندرز اللذين لا تدعمهما المؤسّسة الحزبيّة. فكيف حين نتذكّر أنّ هيلاري كلينتون التي هزمها ساندرز، هي زوجة بيل كلينتون الذي قضى ثماني سنوات في الرئاسة، ووزيرة خارجيّة سابقة، ومنافسة أوباما على الترشيح الرئاسيّ في 2008. أو أنّ جبّ بوش، أحد المتبارين الجمهوريّين الذين هزمهم ترامب، هو نجل جورج بوش الأب الذي حكم الولايات المتحدة أربع سنوات، وشقيق بوش الابن الذي حكمها ثماني سنوات.

هكذا يتّضح جليّاً كيف يحقّق الآتون من خارج "الإستابليشمنت" انتصاراتهم على أبناء "الإستابليشمنت"، والتي يعزّزها أنّ ساندرز يركّز حملته على هيلاري على ما يعتبره صداقتها لكبار أهل البيزنس والمصارف، بينما يستخدم ترامب مواهبه كمقدّم تلفزيونيّ ليمارس سحر الصورة وجاذبيّتها على جمهور بائس.

لكنّ الاستياء لا يقف هنا. فالأمريكيّون الذين تعافى اقتصادهم في 2008، يعرفون أنّ تعافيه لم يكتمل، وأنّ فرص الترقّي الاجتماعيّ لا تزال محدودة وضيّقة. وإلى ذلك يضغط عليهم زمن العولمة وتحوّلاته: ففضلاً عن التعاظم النوعيّ للفوارق في الدخول، ثمّة شعور بأنّ عالمهم يتغيّر تحت وطأة الهجرة التي حملت للأكثريّة البيضاء في السنوات الأخيرة عشرات الملايين من المختلفين إثنيّاً ودينيّاً ولونيّاً. ومثل هذه الهجرة التي تقلب العالم المألوف رأساً على عقب، مادّة تحريض نموذجيّة في الأوساط الأقلّ تعلّماً والأشدّ قابليّة لتقبّل الأفكار العنصريّة التي يخاطبها ترامب.

ولئن عُرفت الولايات المتّحدة دائماً بما يسمّى "الحرب الثقافيّة" ما بين تقدّميّين ومحافظين، فإنّ هذه الحرب هي اليوم أشرس من أيّ وقت مضى. ذاك أنّ الاستقطاب صار أشدّ حدّة من ذي قبل، أكان في ما يتعلّق بالهجرة والموقف منها أم بالتعاطي مع المسائل الدينيّة والمجتمعيّة والجنسيّة على عمومها.

وإذا صحّ أنّ السياسات الخارجيّة تلعب في العادة دوراً محدود الأهميّة في المعارك الرئاسيّة، إلاّ أنّها اليوم تُصوّر كمصدر للتهديد المباشر على ما كانته الشيوعيّة إبّان الحرب الباردة: يصحّ هذا في "القاعدة" و"داعش" اللتين تُرسمان خطراً راهناً ومباشراً على الداخل الأمريكيّ، وهو ما يزكّيه مسؤولون أمنيّون يجزمون بذلك، كما يصحّ، ولو بنسبة أقلّ، على الصعود الاقتصاديّ للصين الذي يُقدّم هزيمةً لأمريكا.

وإنّما في هذا القلق، على تعدّد مصادره وتأويلاته، يمكن العثور على نجاحات ترامب وساندرز.