الخميس 11 فبراير 2016 / 19:42

هوامش سياسية حول رسالة "منى سيف"

لا أعرف - على وجه التحديد - طبيعة المشاعر التي دفعت المواطنة المصرية الشابة منى سيف، لكى تكتب رسالة باللغة الإنجليزية، وجهتها عبر صفحتها الخاصة على شبكة التواصل الاجتماعى إلى الأجانب، تحذرهم فيها - بمناسبة اكتشاف جثة الأكاديمي الإيطالي الشاب جوليو ريجيني الذي قتل في ظروف لا تزال غامضة - من القدوم إلى مصر، للسياحة أو للعمل أو للدراسة أو للعلاج، بدعوى أن المناخ بها موبوء بالموت والرعب لكل أجنبي، فالسلطات - كما ادعت - أعجز من أن تمنح أي أجنبي أقل قدر ممكن من الأمن ومن المعاملة اللائقة، ووسائل الإعلام لا تكف عن إثارة الشك في أن كل أجنبي هو جاسوس، وكل شرطي يستطيع أن يحتجز - وربما يعذب - أي عابر في الطريق بلا سبب، وحتى إذا لم تتورط الشرطة في ذلك، فإنها غير مؤهلة لمنع الجريمة أو حماية الأجانب.

أما الذى أعرفه، فهو أنني ما كدت أقرأ الرسالة حتى اقشعر بدني من هول الكلمات، إذ كانت كل الشواهد تؤكد أن الصورة الكابوسية التي تقدمها منى سيف للأوضاع في مصر، فيما يتعلق بالأمن لا صلة لها بالحقيقة التي يعرفها كل من يعيش في البلد ويتابع أحوالها، بما في ذلك هي نفسها، فقد كتبت ما كتبته، وهي تقيم في القاهرة، وشاركت في اليوم نفسه، مع عشرات من المصريين أصدقاء جوليو في مسيرة اتجهت إلى السفارة الإيطالية، لتعلن تضامنها مع أسرته، وتطالب بالتحقيق في ظروف مقتله، فلم يمنعها أحد من رجال الشرطة، ولم يؤاخذها أحد على ما كتبته، بل إن النائب العام تلقى في اليوم نفسه، بلاغاً من أحد المحامين يطالب بالتحقيق معها بتهمة نشر أخبار كاذبة من شأنها الإضرار بمؤسسات الدولة، فلم يدعها أحد للتحقيق، ولم يحتجزها أحد من رجال الشرطة الذين ينتشرون في شوارع البلاد، ليؤمنوا المواطنين والأجانب، ويحافظوا على الممتلكات الخاصة والعامة، ويكفلوا لها ولغيرها الحق في أن تنام قريرة العين، بينما يتعرضون هم لرصاصات وقنابل الإرهابيين الذين لم يرد لهم ذكر في رسالتها، وكأنها لم تسمع عمن يقتلون كل يوم منهم ومن رجال القوات المسلحة، ليحموا مصر من الفاشية الدينية التي كانت - ولا تزال - تسعى لتعلق المشانق لها ولأمثالها، ممن يعتبرهم هؤلاء الفاشيون كفرة وملاحدة وخارجين على الملة، ويجب طردهم من البلاد التي يحملون جنسيتها.

ولو أن رسالة منى سيف كانت تتوجه فحسب ضد نظام الحكم الحالي في مصر، أو ضد الشرطة والقوات المسلحة، لأمكن اعتبارها - مع كثير من التسامح - مجرد وجهة نظر سياسية خاطئة ومضرة، وتتصادم مع وجهة نظر أغلبية المصريين الذين يساندون هذا النظام، ولكن الرسالة في جوهرها، تتوجه ضد الشعب المصري، إذ هي بدعوتها للسائحين الأجانب إلى عدم زيارة مصر، تسعى إلى زيادة الصعوبات الاقتصادية والمعيشية التي يعانيها المصريون منذ خمس سنوات، بسبب ما ساد البلاد من فوضى وعدم استقرار وإرهاب، أدى إلى ركود اقتصادي وتوقف معه الإنتاج وكفت الاستثمارات الأجنبية والمحلية على التدفق في شرايينه، وتوقفت أو كادت السياحة، التي كانت ولا تزال أحد الموارد السيادية للنقد الأجنبي، فضلاً عن أن ملايين من المصريين، يعتمدون عليها في تدبير موارد للعيش لهم ولأسرتهم.

نحن إذن أمام رسالة تنطلق من وجهة نظر فوضوية، يتوهم أصحابها أن الوسيلة الوحيدة لدفع الشعب المصري ليتخلى عن مساندته لنظام الحكم الحالي، وللثورة ضده وإسقاطه، هي تجويعه وتصعيب الحياة اليومية عليه، بتدمير كل مشروعات التنمية، وتطفيش المستثمرين المحليين والأجانب، ودعم العمليات الإرهابية ضد مصالحهم المباشرة وغير المباشرة، والحيلولة بين مصر وتحقيق الاستقرار الذى يمكنها من استرداد موارد النقد الأجنبي التي كانت تحققها من السياحة، مما يزيد من تفاقم مشكلة البطالة، وإشاعة الذعر بين السائحين، والترويج لأكذوبة أن الأجانب الذين يزورونها يتعرضون لملاحقات أمنية، ويجرى التعامل معهم باعتبارهم - جميعا - جواسيس وأنهم سوف يفتقدون الأمن ويتعرضون للأذى إذا ما زاروا مصر، عبر بيانات تحرر باللغة الإنجليزية الفصحى، كبيان منى سيف وتبث عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ليجري إعادة بثها، وتسفر عن مزيد من تراجع السياحة لتشمل ثورة الجياع ويسقط النظام القائم، ليعود الرئيس الرباني محمد مرسي إلى السلطة، ويقيم دولة الخلافة، ليكون أول ما تفعله أن تقيم المشانق في ميدان التحرير لينفذ مسرور السياف حكم الإعدام، بلا تحقيق محاكمة وبلا دفاع وبلا نقض، ضد منى سيف وأمثالها من الفوضويين الذين يتوهمون أنهم ثوريون، وأنهم يدافعون عن حقوق الإنسان، وعن الديمقراطية، وأنهم يحاربون ما يسمونه سلطة الانقلاب في حين أنهم لا يحاربون إلا الشعب المصري, ولا يدعمون إلاّ سلطة الإعدام بلا محاكمة!