الأربعاء 24 فبراير 2016 / 19:03

أطفال يسرقون البنوك

يعيش الأطفال والناشئة اليوم في عالم لم يعد رحيما بطفولتهم ولا مكترثا بعواقب الأمور ونتائجها على مستقبلهم. وعلى الرغم من الجهود التي تبذل على المستوى المحلي والإقليمي لجعل العالم أكثر أمنا وحماية لعوالم الطفولة والناشئة، إلا أن العالم الالكتروني الافتراضي، لديه وسائله وإغراءاته بالنسبة للأطفال والشباب، خاصة ما يتعلق بسهولة الحصول على الألعاب العنيفة، مع قلة التوعية والرقابة الأسرية والمتابعة لما يلعبه الأطفال على الانترنت، منها ألعاب مباشرة on line قد يلعبها الطفل مع أطفال أو بالغين، لا يعرفهم أصلا، بعضهم يطور علاقته بهؤلاء من خلال تبادل أرقام الهواتف أو القيام بمحادثات مباشرة معهم. ومنهم إرهابيون يتنكرون بأسماء وهمية؛ مما يجعل العنف طابعا للأطفال، وقد يؤدي لتجنيد الأطفال من قبل الإرهابيين.

أظن أن هذه هي أهم الأسباب التي دفعت أكاديمية نانتويتش شيشاير بلندن، التي تعدّ من المجموعات التعليمية العريقة، التي تضم خمس عشرة مدرسة، إلى بعث رسائل تحذير لأولياء الأمور، تحذرهم فيها من لعب أبنائهم ألعاب الفيديو العنيفة، محددة لهم أسماءها مثل grand theft auto و call of duty لما لها من تأثير سريع وعنيف على سلوكيات الطلاب. ووصل الأمر بالمدرسة إلى إعلان عزمها اللجوء إلى الشرطة في حال تأكد مشاهدة الطلاب ولعبهم هذه الألعاب الالكترونية العنيفة.

اللعبة الأولى متعلقة بسرقة البنوك، والهروب من مطاردة الشرطة. وهي أكثر لعبة أفزعتني، وللأسف فإنها تباع في الأسواق في الإمارات لمن هم أقل من 18سنة. تباع لهم وهم في صحبة ذويهم الذين قد ينشغلون بهواتفهم دون معرفة ما يشتري أولادهم.

في هذه اللعبة هناك مكافآت على سرقة البنوك، والهروب من مطاردة الشرطة. أي أنها تزين لهم ارتكاب الجرائم لتكون مهارة وشطارة، وإلحاق الأذى بالشرطة. خطورة هذه الألعاب تكمن في أن عقل الطفل يتبرمج من خلالها على مخالفة القانون، وإيذاء رجال الشرطة؛ لأن المشاهدة تؤدي إلى التركيز في اللعبة، إلى حد الاندماج، مما يولد معايشة افتراضية للسلوك المنحرف العنيف. وتلعب الموسيقى والحوار والحركة دورا في تثبيت هذه الأفكار، بإضفاء مشاعر الإثارة والترقب والقلق، ويترتب على هذا كلّه انطباع السلوك العنيف في عقل الطفل، وقد يمارسه فعليا في البيت والمدرسة، مما يؤدي إلى به مستقبلا لارتكاب الجرائم.

إن محلات بيع الألعاب الالكترونية العنيفة، وحتى شركات إنتاجها، لن تلقي بالا لمخاوف الأهل وتحذيرات المعلمين لطلابهم؛ لأن العائد المادي كبير، يسيل له اللعاب. فالنسخة الرابعة من لعبة سرقة السيارات الكبرى ربحت 800 مليون دولار في أول يوم من إطلاقها فقط، ناهيك عن مبيعات الأيام الأخرى.
أطفال وشباب يدمنون الألعاب العنيفة فماذا يمكن أن ننتظر منهم؟ كلنا يذكر حوادث العنف التي ارتكبها طلاب المدارس في الولايات المتحدة الأمريكية التي بلغت ذروتها عام 2014 و 2015. أضف لذلك حوادث إطلاق نار أخرى.

إن دور الأهل في متابعة أبنائهم وما يمارسونه من ألعاب عنيفة أو غير مناسبة لأعمارهم، مهم وأساسي؛ لهذا قامت شركة كاسبرسكي لاب بعمل دراسة عن العنف لدى الأطفال في الإمارات، ودور الآباء في المتابعة والمراقبة فوجدت أن %40 من الآباء قلقون من تأثير ألألعاب الالكترونية، في حين أن %48 تدخلوا لحماية أبنائهم من العنف في العالم الالكتروني. بعضهم لاحظ أن العنف الذي يمارس في العالم الالكتروني من خلال اللعب قد انتقل إلى ممارسات الطفل في البيت بنسبة %21.

لم يبلغ العنف في دول الخليج العربي عامة، والإمارات خاصة مرحلة خطرة، ونتمنى ألا يبلغها، لكن الأمنيات لا تفيد إزاء واقع فعلي للعب الأطفال ألعابا الكترونية عنيفة وخطرة عليهم وعلى الآخرين. إننا بحاجة إلى توعية أكبر في مجال الأسرة والمدرسة ومؤسسات المجتمع؛ لنعرف مدى انتشار هذه الألعاب العنيفة، وتأثيرها في البيت والمدرسة، وإيجاد الوسائل الناجعة لتوعية الأطفال بمخاطرها والحدّ من آثارها.