الخميس 28 أبريل 2016 / 19:47

العرب وجهة نظر يابانية!

نوبوأكي نوتوهارا مستعرب ياباني قضى أكثر من أربعين عاماً من عمره في السفر إلى العواصم العربيّة وزيارة الأرياف والبوادي، والإستعراب بمعنى التخصص في الثقافة والدراسات العربيّة. وكانت حصيلة هذا البحث والسفر الطويل كتاباً قيماً يبلور خلاصة تجاربه وفكره عن العرب في المشهد العالميّ المعاصر كتبه بنفسه باللغة العربيّة الفصحى دون الحاجة إلى مترجم أو لغة أخرى وسيطة احتراماً وتقديراً منه للعرب الذين تربطه بهم أواصر وثيقة .

والجدير بالذكر أنَّ الاستعراب اليابانيّ حديث العهد بدأ منذ منتصف القرن الماضي مع كل من مائيجيما شينجي وإزوتسو توشيهيكو الذي كان أول من ترجم معاني القرآن الكريم إلى اليابانيّة، واستمر مع الجيل الثاني من المستعربين مع البروفسور يوزو إيتاغاكي والبرفسور غوتو والبرفسور مياجي وغيرهم، واهتم هذا الجيل من المستعربين بالتراث الإسلامي.

أمّا الجيل الثالث الذي ينتمي إليه نوتوهارا فقد انصرف إلى دراسة التاريخ الحديث والمعاصر للدول العربيّة في الشمال الإفريقيّ، واهتم هذا الجيل كذلك بمؤتمرات الحوار الثقافيّ بين اليابان والدول العربيّة والإسلاميّة. ويتميز الإستعراب اليابانيّ عن الاستشراق الغربيّ، كما يرى نوتوهارا، بثلاث سمات أساسية؛ الأولى أنَّ اليابانيين تعرفوا إلى العالم العربيّ بصورة تدريجية، وأصبحت الأمور الآن أكثر وضوحاً لديهم بعد أن تجاوزوا مقولات الإستشراق الغربيّ التي ارتهنوا إليها في بداية المطاف. والسمة الثانية هي السعي للتعرف إلى الحقائق من مصادرها مباشرة وعدم الاكتفاء بترسانة الميديا الغربية الضخمة وخاصة في القضايا المتصلة بالوطن العربيّ. والسمة الأخيرة هي عدم الإنجذاب إلى الخطاب الصهيونيّ بخصوص القضية الفلسطينيّة. فرغم أنَّ السفارة الإسرائيليّة في طوكيو تجتذب بعض الشباب اليابانيين للدراسة في إسرائيل على نفقة الحكومة الإسرائيلية فإنَّ النتائج تأتي غالباً على غير هوى الإسرائيليين. ومن الأمثلة الدالة على ذلك ذهاب صحافي ياباني مشهور إلى إسرائيل للدراسة وعودته مؤيداً للقضية الفلسطينية لأنّه رأى بنفسه التناقض بين ما تقوله وسائل الإعلام الإسرائيليّ وبين الواقع.

بعد الجيل الثالث أتى جيل شبابي جديد من الطلبة اليابانيين المهتمين بالقضايا العربيّة والحريصين كذلك على زيارة الدول العربيّة بانتظام لحضور حلقات نقاشيّة معمقة عن المجتمعات العربيّة في حقول التاريخ وعلم الاجتماع والتربية والموسيقى والفنون والآداب.

يقوم منظور كتاب"العرب وجهة نظر يابانية" لنوتوهارا على بيان التفوق اليابانيّ الذي يضمن لليابان تلك الفرادة والتميز عن الدول الآسيوية والإفريقية سياسياً وثقافياً واجتماعياً؛ فالقارئ اليابانيّ متفوق بكثير على نظيره العربيّ، والعربيّ يعبر عن حقيقة مشاعره وأحاسيسه بصورة مباشرة وسريعة في حين أنَّ الياباني يخبئ أحاسيسه في داخله ويخفي مشاعره بعناية ويراقب وربّما يحتفظ بانفعالاته لمدة طويلة. ويتحدث نوتوهارا عن تراث القمع المشترك في تاريخ اليابانيين والعرب، ولكن الفارق النوعي بينهما هو أنَّ المواطن اليابانيّ قطع شوطاً طويلاً في التحرر من القمع السلطويّ في حين أن المواطن العربيّ لايزال أسير القمع بكافة أشكاله من البيت إلى الأنظمة السياسيّة. والمجتمع اليابانيّ كما يرى الكاتب، حصل على الكثير من الحريات السياسيّة والاجتماعيّة التي جعلته يختلف كثيراً عن مجتمع ما قبل العام 1945 ، وهو عام الهزيمة اليابانيّة عاى يد قوات الحلفاء.

يبقى هذا الكتاب الذي أنجزه صاحبه قبل حوالى الثماني سنوات بحاجة إلى تعمق واستقراء فاحص متأنٍ؛ فإشارات الكاتب المتكررة إلى سلطوية المجتمعات العربيّة هي حقيقة لاتنكر، ولكن يبقى خطابه الاستعلائيّ عن تفوق المجتمع اليابانيّ بحاجة إلى وجهة نظر موضوعية. فمن المعروف أنَّ اليابان رغم تفوقها تكنولوجيا إلا أنَّ بنية المجتمع اليابانيّ الداخلية لاتزال بنية تقليدية مغلقة للغاية يسودها ذلك التخّوف من الآخر.

 ومعروف أنَّ اللغة اليابانية هي أكثر لغات العالم في استخدام الضمائر الدالة على كافة مكونات المجتمع الياباني الغامض للغاية. لذا أنصح القراء بقراءة كتاب "اليابان، رؤية جديدة" لباتريك سميث لمعرفة الفرق بين اليابان القديمة: يابان الساموراي وحدائق الزن، واليابان الجديدة: يابان الكفاءة الإنتاجيّة والآلات ومنطقة الفراغ القابعة بينهما حيث يعيش اليابانيّ!