الإثنين 27 يونيو 2016 / 18:44

بعد سقوط الاعتدال والممانعة

لا مؤشرات مبشرة من الداخل الفلسطيني بحدوث تغيير درامي قريب في المشهد الحالي، لكن هناك مؤشرات عربية وإقليمية توحي بقرب الانتقال إلى مرحلة استعادة التوازن ونشوء تحالفات جديدة قد تشكل ضغطاً حقيقياً للتغيير المنشود في الساحة الفلسطينية

منذ اندلاع الفوضى التي أعقبت السطو الظلامي على الربيع العربي، تغير المشهد في المنطقة، ولم يعد ممكناً الاستمرار في الصراع السياسي الصوري بين محوري الاعتدال والممانعة، بل إن المحورين لم يعودا قائمين بعد أن تحول الحلفاء إلى أعداء كما في حالة التحالف السوري – القطري، وبعد أن اختلف الخطاب السياسي لأطراف الاعتدال التي صار كل منها يغني على ليلاه.

ولأن فلسطين تتأثر أكثر من غيرها بالتجاذبات العربية، فقد ارتبك المشهد الفلسطيني أيضاً، ولم تعد المرجعيات العربية والاقليمية لفتح وحماس ثابتة ومعروفة، بل إن التحالفات التقليدية للفصيلين انهارت بعد أن تعددت مرجعيات الإسلام السياسي، واختلفت رؤى العواصم الفاعلة في ملف الصراع والتسوية في المنطقة، وبعد أن تبين أن عواصم الممانعة غير معنية بمواجهة إسرائيل، كما أن عواصم التسوية غير معنية بالحل السلمي للصراع.

ضاقت الخيارات كثيراً، ولم يعد هناك متسع للمناورة والتكتيك السياسي الفلسطيني الذي كان ينجح، في أزمان سابقة، في الاحتفاظ بعلاقات دافئة مع الرياض ودمشق وعمان والقاهرة وطهران في آن واحد.

انتقلت حماس من الحضن السوري إلى الحضن القطري، وحاولت ولا تزال تحاول الاحتفاظ بخطوط العلاقة مع إيران وتركيا، رغم كل ما أصابها من إحباط التحول السريع في مواقف الحلفاء الحاليين والسابقين.

وانكفأت فتح على نفسها، بعد أن بردت علاقاتها الدافئة مع مصر والأردن والسعودية ودول الخليج، وبعد أن فصلت برنامجها السياسي بما يتواءم مع رؤى قيادتها الحالية، وهي قيادة تخرج عن النص الفتحاوي وتنظر بدونية إلى أدبيات فتح وثوابتها الوطنية.

وعاش الفصيلان عقداً كاملاً من الجمود السياسي، مكتفيين بالانفعال ورد الفعل على ما يجري في المنطقة من دون أن يبادرا إلى الفعل السياسي والميداني القادر على إعادة صياغة المعادلة ليس في فلسطين فقط ولكن في المنطقة برمتها.. وكان ذلك، ولا يزال ممكناً، لكنه غير وارد في العقل السياسي الفلسطيني.

الآن، وبعد أن وصل المسار إلى منتهاه، وتقلص الوجود الفعلي للفصيلين في الشارع الفلسطيني الذي يصيغ بدائله بطريقته الخاصة، وبعد أن صارت العلاقات العربية مع إسرائيل أمراً واقعاً غير قابل للمس أو التغيير، رغم قرارات القمم العربية ومجالس الجامعة، وفي ظل استمرار الفصيلين في لعبة المصالحة السمجة بين قيادتين غير معنيتين بالمصالحة أصلاً، أصبح المشهد الفلسطيني أكثر قتامة من كل المراحل السابقة.

ويبدو أنه مرشح للبقاء على هذا الحال، إذا لم يحدث شيء حقيقي وكبير على الأرض، يعيد للملف الفلسطيني حيويته، وإذا لم يحدث شيء حقيقي وكبير على المستوى السياسي في المنطقة وعلى مستوى الأطراف التي تختار التكتيك الآني والمرحلي بديلاً لاستراتيجية واضحة في التعاطي مع الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي.

لا مؤشرات مبشرة من الداخل الفلسطيني بحدوث تغيير درامي قريب في المشهد الحالي، لكن هناك مؤشرات عربية وإقليمية توحي بقرب الانتقال إلى مرحلة استعادة التوازن ونشوء تحالفات جديدة قد تشكل ضغطاً حقيقياً للتغيير المنشود في الساحة الفلسطينية، وذلك من خلال الاعتراف العلني بضرورة استمرار الوطنية الفلسطينية وتمكينها في الداخل، لاستعادة النموذج الذي كانت تشكله فتح، وهو النموذج الوطني القائم على أساس أن الصراع مع العدو فقط، وأن جغرافية المواجهة هي الأرض الفلسطينية، وليست أي مكان آخر، وأن الفلسطينيين ينبغي أن يظلوا خارج دائرة التجاذبات السياسية بين النظم القائمة في المنطقة.

في حال ظهور التحالف العربي الجديد، ثلاثياً كان أم رباعياً، نأمل ألا تكون القيادة الفلسطينية غائبة عن المشهد أو أن تكتفي بالاستماع والمتابعة عن بعد. ونأمل ألا تهاجر القيادة الرسمية الفلسطينية إلى تل أبيب مثلما نأمل الا تهاجر قيادة حماس إلى طهران.