الثلاثاء 19 يوليو 2016 / 14:06

أردوغان دبر الانقلاب

رأى الكاتب جوليان سايارير المهتم بالشؤون التركية، أن الدعم الشعبي للديموقراطية، وتدفق الأتراك إلى الشوارع لحماية حكومة منتخبة، قد يمهد لتمكين، زعيم حزب العدالة والتنمية، الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، من توسيع سيطرته على الدولة التركية، ويبرر له ازدراءه المتزايد للديموقراطية، معتبراً أن ما حصل حادث مدبر.

قد يدرك الذين هللوا للدبابات التي انتشرت في شوارع تركيا، على أساس أنها إعادة تأكيد لقيم علمانية، بأنهم بالغوا في التفاؤل

وسواء أكانوا صحافيين يساريين اعتبروا متآمرين، أو حركة المتظاهرين في حديقة جيزي، والتي اعتبرها الحزب الحاكم بمثابة انقلاب، يشير سايارير في مقال في مجلة نيوستيتمان البريطانية إلى استخدام أردوغان دوماً تلك الأشباح لتبرير قبضته التسلطية على البلاد. واليوم، صار هناك انقلاب حقيقي يشير إليه، وما سيليه لا يبدو مبشراً. وقد يدرك الذين هللوا للدبابات التي انتشرت في شوارع تركيا، على أساس أنها إعادة تأكيد لقيم علمانية، بأنهم بالغوا في التفاؤل.

مؤامرات
ولكن، وبحسب الكاتب، تفترض فكرة المظاهر الخادعة، مزيداً من الانتباه. فتركيا بلد يحاك فيه الكثير من المؤامرات. وفيما يكون معظمها من تدبير تركيبة سياسية خفية (وتحركات عناصر مسيسة كالشرطة)، فذلك لا يعني أن المناخ العام في تركيا هادئ. ويؤكد عدد من المتابعين أن ما جرى لم يكن في حقيقة الأمر انقلاباً، بل حدث مدبر الهدف منه تحقيق هدف أردوغان في إخضاع البرلمان من أجل تعديل الدستور، ومنح سلطات لا محدودة لمنصب الرئيس.

ويرى سايارير أن ما حصل مؤشر حقيقي يخدم أجندة أردوغان القديمة والتي سيتم الترويج لها على أساس أنها من تداعيات الانقلاب.

أدوات
ويشير الكاتب إلى أن المؤامرات لطالما تتخذ أشكالاً فطنة بحيث تبدو حقيقية. فإن تركيا تملك أكبر ثاني جيش عامل ضمن الناتو، بعد الجيش الأمريكي، ويبدو واضحاً من خلال التقارير الأولية أن فصيلاً واحداً فقط من الجيش، أيد العملية. وبالفعل سارعت القوات البحرية التركية لرفض الانقلاب، ورافقت طائرة أردوغان لدى عودتها إلى اسطنبول طائرات إف ـ 16. ويشير البعض بأن ذلك الفصيل المنشق أُبلِغ بمعلومات مضللة باحتمال نجاح الانقلاب، وجعل أفراده أداة تخدم خطة الرئيس.

تنسيق
ويوحي آخرون بأن الانقلاب جاء نتيجة قيام عناصر داخلية بتحركات منسقة، ولكن من السهل تجاهل تلك التقارير. والمعروف أن لتركيا أسلوباً قوياً في مراقبة الإنترنت، وسبق لوسائل للتواصل الاجتماعي أن حظرت، فكيف استمر عمل الإنترنت خلال عملية انقلاب؟

إلى ذلك، يقول سايارير أنه، ومع مقتل 200 شخص وإسقاط مروحيات وانفجار قنابل عند مباني البرلمان، لم تكن هناك حاجة لجعل الأمر مقنعاً إلى هذه الدرجة، ولا للمخاطرة بحياة مؤيدين للديموقراطية تمت دعوتهم للنزول إلى الشوارع. ولو كانت قطاعات كبيرة من الجيش التركي قد شاركت في الانقلاب، وكانت مستعدة لسفك دماء، لكان الاحتمال الأكبر أن تقع مجازر في تركيا، والتي فقدت مؤخراً عدداً من مواطنيها جراء عمليات إرهابية.

ملاحظة أخرى
ويلفت الكاتب إلى ضرورة التنبه للدور الذي لعبته وسائل التواصل الاجتماعي والاتصالات المعاصرة. وما يدعو للسخرية أن أردوغان نفسه، وهو معارض للاحتجاجات والانشقاقات، دعا الناس للنزول إلى الشوارع. وكونه اعتبر دوماً أن منصات إعلامية، مثل تويتر، تدعم الاضطرابات الاجتماعية، فلربما تنبه إلى الفائدة التي جناها من هكذا مواقع، عندما حشد من خلالها أتباعه.

وكان ظهوره الشخصي عبر هاتف ذكي وشاشة فايس تايم، من الدلائل الإضافية التي قصد منها أردوغان تأكيد حقيقة وقوع الانقلاب، وحيث أطلع الناس على ما يجري، وأنه في طريقه لمعالجة الأمر.

تذكير
كل ما جرى في تركيا، ومن ثم الاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي في عودة "السلطان أردوغان" إلى قصره بسلام وأمان، يؤكد حقيقة لطالما تجاهلها الطغاة حول العالم، أن السماح بممارسة الحريات الاجتماعية يدعم، ولا يقلص، اللحمة الاجتماعية والانسجام بين كافة أطياف المجتمع.

ويختم سايارير بأن جميع الأحزاب التركية العلمانية والقومية وقفت ضد الانقلاب، وأيدت الديموقراطية، وكذلك الصحافيون ومقدمو البرامج التلفزيونية الذين واصلوا عملهم إلى أن توقف بث محطاتهم. وأردوغان نفسه، والذي بدا أقل شعبية من أي وقت مضى، وبات أكثر ميلاً لاتخاذ قرارات جائرة، أنقذه إيمان الشعب التركي بالديموقراطية. ويبقى الأمل بأن يعي الرئيس التركي هذه الحقيقة.