الخميس 28 يوليو 2016 / 19:54

"حياتي والتحليل النفسيّ" السيرة الذاتية لسيغموند فرويد!

هذا الشعور النفسي بالاضطهاد ظلَّ ساكنًا بفرويد؛ فمنذ نشأته العلمية الأولى في النمسا يذكر اضطهاد أساتذته وزملاؤه له. ولعلَّ ذلك هو الذي خلق لديه حسًا استثنائيًا بالتميّز

هذه هي السيرة الذاتية لرائد التحليل النفسيّ سيغموند فرويد( 6 مايو 1856_23 سبتمبر 1939 ) عالم النفس الإشكاليّ الذي أثارت نظرياته في التحليل النفسيّ سجالاً علميًا سيظلُ مشتعلا ً لن ينطفئ أواره قط. لم يفكر فرويد في كتابة سيرته الذاتية إلا بعد تلك الدعوة التي وجّهها إليه ناشر المجموعة المتعددة الأجزاء التي تُعرف باسم "الطب في الوقت الحاضر من خلال السير الذاتية". وقد صدرتْ سيرته في المجلد الرابع من هذه المجموعة نشر(لايبزغ) 1925. ويذكر جورج طرابيشي مترجم النسخة العربيّة من سيرة فرويد"وإن يكن عنوان هذه السيرة "حياتي والتحليل النفسي" فسوف يلحظُ القارئ أنَّ فرويد يقدمُ اللحظة الموضوعية على اللحظة الشخصية فيولي الاعتبار الأول في سيرته للتحليل النفسي لا لحياته. ومن ثمَّ فإنَّ قارئ هذه الشهادة لواحدٍ من كبار صانعي القرن العشرين لن يقرأ وقائع حياته وتفاصيلها بقدر ما سيقرأ قصة التحليل النفسيّ وتطوره وتطوّر مفاهيمه الأساسية".

ثمَّة علائق وطيدة وثيقة ربطت بين فرويد والأدب ولاسيّما الموروث الإغريقيّ الأسطوريّ؛ فالميثولوجيا الإغريقية حاضرة بقوة في نظرياته عن التحليل النفسيّ. إنَّ عقدة أوديب وعقدة إلكترا هما من صميم ذلك الموروث. وقد اعترف فرويد صراحةً بذلك الاستيحاء والتأثّر كما بيّن ذلك المفكر الإنثروبولوجيّ البنيويّ كلود ستروس.

يصدرُ فرويد في سرد سيرته العلمية منذ التأسيس عن عقلية الاضطهاد التي تميز فكر الأقليات وخاصة عندما تكون تلك الأقلية اليهود في مجتمع قوميّ متعصب مثل النمسا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وهو عصر صعود القوميات الأوروبية الكبرى. لقد وُلِدَ فرويد في فريبرغ بمورافيا، وهي بلدة صغيرة موجودة في ما يُعرف الآن باسم تشيكوسلوفاكيا يقول" كان والديّ يهوديين، وبقيتُ أنا نفسي يهوديًا". إنَّ هذا الشعور النفسي بالاضطهاد ظلَّ ساكنًا بفرويد؛ فمنذ نشأته العلمية الأولى في النمسا يذكر اضطهاد أساتذته وزملاؤه له. ولعلَّ ذلك هو الذي خلق لديه حسًا استثنائيًا بالتميّز. يذكر جون ليتشه في كتابه"خمسون مفكرًا أساسيًا معاصرًا من البنيوية إلى ما بعد الحداثة". "أنه من باب التكرار القول بأن فرويد كان ابن عصره، فقد كان يحمل قيم البورجوازية في القرن التاسع عشر، وتأثَّر بالوضعية العلمية والنزعة الحيوية vitalismكما أنَّ ملامح معينة من العصر الفيكتوري لوَّنت آراءه بخصوص الجنسانيةsexuality، لكن من زاوية أخرى، من الممكن أن ننظر إلى فرويد على أنه مفكر كان، وسيبقى على الأرجح، موضع جدل بسبب ما قاله عن الجنسانية والنفس، وكان أيضًا مزعجًا ومقلقًا ولو بطريقة ألمعية بسبب تأسيسه التحليل النفسيّ من خلال تحليل ظواهر كانت تعتبر حتى ذلك الحين غير قابلة للتحليل كالأحلام وزلات اللسان".

إذن تتحدث سيرة فرويد الذاتية عن كل شيء له علاقة بنظرياته في التحليل النفسي بحيث نجد تحقيبًا تاريخيًا متسلسلاً لهذه النظريات في هذا الكتاب أمَّا المسكوت عنه هنا فهو حياته..نعم لم يقترب فرويد في سيرته من حياته الشخصية، وسنجدُ الإجابة في مواضعَ متفرقة عن هذه المسألة المثيرة للعجب. يقول"مسألتان تعالجهما هذه الصفحات: تاريخ حياتي وتاريخ التحليل النفسيّ، وهما تتداخلان في نسيج واحد؛ فسيرتي الذاتية تبين أن التحليل النفسي كان كل شيء في حياتي، وأن تجاربي الشخصية ليست بذات أهمية بالمقارنة مع ارتباطي بهذا العلم. لقد كان تراءى لي قبل وقت وجيز من كتابة هذه السيرة أنَّ حياتي تشارف على نهايتها بسبب مرض عضال عاودني غير أن براعة الجراح أنقذتني عام 1922، فأمكنني أن أواصل حياتي وعملي، ولكن بدون أن أفلت من قبضة الألم. ومنذئذٍ، وعلى مدى عشرة أعوام ونيف، لم أتوقف قطّ عن عملي التحليلي وعن التأليف، والدليل على ذلك أنني انتهيت توًا من إعداد المجلد الثاني عشر من الطبعة الألمانية لأعمالي الكاملة".

 ويقول في خاتمة سيرته بعد حديثه الضافي عن نظرياته في التحليل النفسيّ"عند هذا الحد أبيح لنفسي أن أختم هذه المذكرات عن سيرتي الذاتية، فلاحاجة لمعرفة المزيد من التفاصيل عن شؤوني الشخصية_ عن كفاحي وخيبتي ونجاحي. وعلى كل حال، كنتُ في بعض مؤلفاتي الأخرى مثل"تفسير الأحلام" و"علم نفس أمراض الحياة اليومية" أكثر صراحةً مما درج عليه الناس حين يتحدثون عن حياتهم الخاصة لمعاصريهم أو لمن سيأتون بعدهم. بيد أنني لم أقابل بالإنصاف ولاتأذن لي تجربتي بأن أنصح أحدًا بأن يحذو حذوي".

ورغم إشارة فرويد في مقدمة سيرته الذاتية إلى أنه حاول أن يكون كتابه هذا صيغة جديدة تجمع بين الذاتيّ والموضوعيّ؛ أي بين السيرة الذاتية والتاريخ إلا أننا كما ذكرتُ لن نجد أيّ ملمح لسيرة فرويد الذاتية الحميمة سوى سيرته العلمية فقط وسيرة التحليل النفسي في تاريخه الإشكاليّ جدا!!