• تشارلز سي هاينز، باحث في مؤسسة (ASCD) العالميةالمتخصصة في التعليم المتميز
    تشارلز سي هاينز، باحث في مؤسسة (ASCD) العالميةالمتخصصة في التعليم المتميز
الثلاثاء 16 أغسطس 2016 / 17:37

تدريس "التربية الأخلاقية" .. أزمة المعنى بين التطرف الديني واستشراف المستقبل

24 - الشيماء خالد

مع استعداد الإمارات لتدريس "التربية الأخلاقية" كمادة في المناهج والمقررات الدراسية، بعد اعلان الشيخ محمد بن زايد آل نهيان عن هذه المبادرة، وتجاوب شرائح المجتمع بشكل لافت، برز سؤال حول معنى التربية الأخلاقية، بين المفاهيم الظلامية المغلوطة المتخفية بثياب الواعظين، وتلك السليمة، والداعمة لاستشراف المستقبل، فحين نتحدث عن الأخلاق، أي أخلاق تلك التي نعنيها بالذات؟ ومن أي وجهة نظر تُفسر وتطبق؟ بين ثقافات متعددة ومفاهيم متباينة.

عملت أستاذة علم النفس، والخبيرة التربوية الجزائرية، حياة العربي، لسنوات طويلة مع أطفال عانوا نتيجة الإرهاب الديني، وقامت بجلسات استشارية عديدة لإعادة تأهيل مراهقين وشباب انضموا لجماعات متطرفة أو أوشكوا على ذلك، وتقول لـ 24: "النتائج المريرة والمفزعة لما يقوم به الشباب متأثرين بدافع ديني خطاً أو عنيف، تعصف بدول بأكملها، ومن واقع القصص التي عايشتها مع هؤلاء بدا واضحاً أن الدين سلاح ذو حدين، يسهل من خلاله تسييرهم، واستغلالهم بأبشع الطرق".

صكوك الغفران
وتشدد العربي على الحاجة اليوم إلى تشكيل وعي ديني سليم يساهم في دفع اقتصادات المجتمعات ورفعتها وتقدمها، بخطاب يستلهم روح السلام والنظام والنماء والخير الذي يفترض به أن يكون أساس النظرة الإيمانية في مختلف الأديان، وتضيف: "قد لا نصدق إلى أي مدى يسمح التلاعب بعقول الصغار وحتى الكبار أحياناً بتدمير دولة بكاملها، والمقلق حالياً أن نبرة الكراهية والعنصرية والنموذج العنيف للأديان في تزايد كبير".

وبحسب تجربتها تؤكد العربي أن تفسير الأحكام والقيم الدينية ظل لوقت طويل في أيدي جهات غير مؤتمنة أثبتت التجارب سوء استخدامهم لهذه الصلاحية، وتقول: "نحن في حاجة ملحة لإعادة تشكيل أخلاقيات الأجيال الجديدة، ليس بمعزل عن الدين، ولكن بمعانيه الوسطية والخيرة، ونبذ كل المفاهيم الداعية للعبثية والتدمير وبث إرادة الموت والنهاية، عوضاً عن إرادة الحياة، فمثلاً روجت الجماعات المتطرفة في الجزائر لأفكار تقلل من قيمة الحياة والعمل، وركزت على دفعهم لاعتبار العالم الآخر بعد الموت هدفاً، وأسدلت ستار الإصلاح على الواقع المعاش ودور الإنسان في العمل على الأرض، وبدت لهم وكأنها تحمل صك الغفران، فمن لم يكن معهم فهو عدو واجب تحطيمه".

وأظهرت دراسة العربي للطلاب في هذا الشأن خلطاً واضحاً لديهم بين قيم الدين وبين احترام الآخر والانتماء للوطن، ومفهوم الحرية، وجمعت بينهم نزعة القسوة والغضب، والشعور بالانتماء لشيء ربما لا يدركون كنهه، لكنهم في الوقت نفسه منجذبون له لأبعد حد.

وتضيف العربي: "هناك مفاهيم وقيم كثيرة أصلها الدين، ولكن التخلي عن مسؤوليتنا في وضعها في الإطار السليم، يفتح الباب لمن أراد فيلوي عنق الحقيقة ويقلب الفضائل لتصبح أداة وحشية، وهذا يجعلنا في حاجة ماسة لتعليم الأجيال الجديدة من الصغر وبخطط مدروسة وذكية، الأخلاقيات والقيم في معانيها السامية".

"الأديان على محمل الجد"
وبحسب الخبير والمحاضر التربوي الأمريكي، وارن نورد، مؤلف كتاب "الأديان على محمل الجد في المناهج الدراسية"، تواجه مادة "الأخلاقيات" إن وجدت قائمة بذاتها، أو أُدخلت عبر برامج دراسية أخرى بشكل عام، أزمة في ايجاد أرض مشتركة واحدة واضحة المعالم للفضائل واعتبارات الصحيح والخطأ بين الأديان المختلفة.

ويقول نورد في كتابه: "في كل المرات التي نذكر فيها أمر تدريس الأخلاقيات في المدرسة، يواجهنا سؤال حتمي ومثير للجدل غالباً، وهو أخلاقيات من؟".

ويرى نورد الإجابة أبسط مما نتوقع، فيشرح: "في صلب الفضائل علينا أن نعلم أخلاقيات الجميع، في مختلف الأديان، وخاصة تلك الموجودة بين طلابنا في المدارس، ولا يجب أن نتعرض لما هو مثير للجدل أو التباين الكبير، إلا في حال ما كان مشجعاً على العنف أو الكراهية أو التمييز، نحتاج لتبسيط الأمور على الطلاب، وأن نركز على قيم أخلاقية دون غيرها بحسب الأهمية والفائدة".

وفي حال تأزم الموقف أو الاختلافات بين الأخلاقيات لمتلقيها من الطلاب، يرى نورد حلاً بسيطاً بدوره، فيقول: "حين نتفق في الأخلاقيات نعلمهم أهميتها وصوابها، وحين نختلف نعلمهم البدائل والخيارات المرضية إلى حد ما، وعدم إطلاق الأحكام، وقبول الآخر واحترام التعايش المشترك".

ويحذر نورد من تجاهل الأديان في تدريس الأخلاقيات، حيث بهذا تترك فرصة ذهبية لجهات أخرى لجذب المراهقين والشباب، فيضيف "علينا أخذ الأديان على محمل الجد في المناهج، لأنها قد تكون أصل الشرور، أو أصل الخير والسلام، يعتمد الأمر على فهمها والتعامل بها ومعها".

أهداف مصيرية
وبحسب تقرير لمؤسسة (ASCD) العالمية، المتخصصة في التعليم المتميز، والتي تضمم 128 دولة، وأكثر من 120 ألف عضو، يقول الباحث تشارلز سي هاينز: "هناك أمران على جانب كبير من الأهمية في تدريس الأخلاقيات للطلاب إن أردنا منها تحقيق أهداف عميقة ومصيرية، وهما الدين والسياسة، علينا أن نملك الذكاء الكافي والوعي لمناقشة وتشكيل الوعي الديني والسياسي السليم والأفضل لمجتمعاتنا وخططنا، في هؤلاء الطلاب من أطفال ومراهقين خصوصاً".

ويضيف هاينز: "في حال تجنبنا الدين والسياسة في المناهج، تصبح إمكانية وسهولة تحول أجيالنا لأعداء لأنفسهم وأوطانهم في غاية السهولة، وقد أثبتت دراسات واسعة ومعمقة حول العالم، مدى الكوارث التي يمكن أن تأتي من هذين الشقين للأجيال الشابة".

وتعتمد نظم دراسية بارزة حول العالم، منهج التعامل مع الدين وحل أزمة معنى الأخلاقيات بين التطرف وبين القيم الأكثر سلاماً واستشرافاً للمستقبل، مثل بعض المدارس والجامعات الأمريكية، وأخرى في آسيا مثل إندونيسيا وماليزيا، وربما من أبرزها تلك في فنلندا واسكتلندا.

وبحسب ما نشرته مؤسسة "إديوكيشن سكوتلاند"، المتخصصة في تحسين نوعية التعلم والتدريس، فإن التعامل مع الدين في إطار مادة الأخلاقيات بصورة عصرية واعية، أدى لنتائج مبهرة بين الطلاب، واستيعابهم للآخر والعالم من حولهم، ونصحت المؤسسات التعليمية بتبني دمج الدين مع تدريس الأخلاقيات، بعيداً عن تخصيص مادة لدين دون غيره، حيث أن تجربة اسكتلندا في هذا الإطار قدمت الأفضل للمجتمع الغني بثقافات وديانات مختلفة.

فهم متنور .. ثقافات
وتعتبر أزمة المعنى في تفسير الأخلاقيات، بمثابة فخ تقع فيه الكثير من النظم التربوية، فيقول هاينز: "في بعض المدارس في مناطق متباينة حول العالم، تصبح الأخلاق بمثابة آلة تفريخ للكراهية الإحباط والسلبية وانغلاق الأفق والعنف وغيرها الكثير، مما ليس نتيجة منطقية على الإطلاق في التربية، وهو دليل على سوء فهم أو تقديم الأخلاقيات للأجيال الجديدة".

ويقول هاينز: "تحتاج أنظمة تعليمية كثيرة حول العالم، لرفدها بتربية أخلاقية مبتكرة وذكية، هي على القدر نفسه من الأهمية والتحصيل العلمي المتميز، تشجع الطلاب على تفسير وتطبيق القيم بما يتناسب وعالمنا المتسارع الحافل بالإشكالات والتحديات".

ويضيف: "حين تكون مادة الأخلاقيات حاوية لفهم متنور للأديان، يسمح ذلك للأطفال المراهقين استكشاف تطور الوعي البشري، والعمل بدورهم على تشكيل وعي أفضل بعصرهم، ومستقبلهم، وتشكيل ثقافة واسعة الأفق".