الجمعة 26 أغسطس 2016 / 18:11

تركيا المقلوبة وإيران المشاغبة وفرصتنا الذهبية

تركيا لا تملك أي برنامج حقيقي حيال سوريا مثلاً ولا مصر

خلال أشهر اختلفت خارطة القوى في الشرق الأوسط، ويبدو جليًا أن المستقبل يتقدم نحو أحداث جديدة وجديرة بالعناية، وكل المعطيات توحي بأن دائرة المتغيرات تتسع وتضيق دائرة الثوابت، ومهما كان فإن ذلك لن يغير من الصورة الكلية للحقيقة التي تقول إن إيران وتركيا والعرب ويمكننا إضافة إسرائيل للميزان الجيوسياسي، واعتبار القوى الخارجية المؤثرة قوة رابعة، سواء أمريكا وأوروبا من جهة أو جهات، والصين وروسيا والشرق من جهات أخرى، فإلى أين تسير الأمور.

ليس هناك أي جدال في أنّ تركيا أزالت القناع عنها، وأعادت ضبط قواعدها بشكل جذري، وسرعان ما أعلنت أن مصالحها العليا تتفوق على كل شيء، بالطبع أضافت إلى المصالح الحفاظ على صورة أردوغان ومواصلة حفلات تمجيده، والاستثمار به. صورة أردوغان هي الكفيلة بجذب المغفلين من العرب، ويمكنهم إعادة تدويرها لشعوبهم، بينما توقفت داخليًا عن المحاور الأيديولوجية ورصّت جيلاً جديدًا من السياسيين، أقصت بصورة مزدوجة، حلفاء أردوغان القدامى جدًا، والأخيرين، فواصلت فصل أتباع فتح الله غولن، وبدأت سرًا حملة على أنصار داود أوغلو، ونتيجة هذا واحدة، أن هناك وجه جديد يتحضر للبروز. لكن ما هو واضح أنّه لن يعجب العرب، ولن يواصل علاقته معهم، بل هو أقرب إلى محور القوى الخارجية، فهو يملك علاقة جيدة مع روسيا، وورقة ميتة يرفعها في وجه أمريكا متمثلة بالمطالبة بفتح الله غولن، وهو لا يريد أن يحصل عليه فعلاً ولكن يريد أن يمسك بهذه الورقة تجاه أمريكا ويتخذها كمبرر للتمرد عليها متى دعت الحاجة.

تركيا لا تملك أي برنامج حقيقي حيال سوريا مثلاً ولا مصر، فهي وضعت نفسها متاحة للجميع ويمكن ملاحظة هذا من تصريحات رئيس وزرائها السيد يلديريم الذي يدلي كل مرة بتصريح يناقض سابقه، ولم يتورع أخيرًا أن يقول ليس لدينا موقف محسوم تجاه كثير من القضايا، وعلق البعض بأن الموقف التركي محكوم برغبات ومصالح دولة رئيس الوزراء، الذي يحكمه أردوغان.

إيران ليست بأحسن حال من الحالة الفوضوية التي تعيشها تركيا، فهي أقرب ما تكون دولة تدخل بقدميها في حالة فوضى، الوضع في إيران يختلف، لأن الفوضى التي تعيشها الأقليات أو الفقر في الشعب لا يؤثر على الصورة، ما يؤثر فعلاً هو الوضع في مربع القيادة، وهو ما يحدث الآن، فهناك ترقب في كل الجهات، فمن ناحية هناك انتخابات عامة ورئاسية، والتنافس هذه المرة يزيد من سخونة الأفكار، والانتقادات الواسعة أعادت شعارات إعادة إيران ومواطنيها لصدارة انتباه المشاريع، بل إن صحيفة إيرانية تجرأت على نقل خبر عن مطالبات بكف اليد عن سوريا، وانتقاد للسماح للطائرات الروسية باستخدام الأراضي الإيرانية في الهجوم على سوريا، الأمر الذي سارع الإعلام الإيراني لإعلان أنه توقف.

إيران متفهمة أنها أصبحت مزعجة حتى لحلفائها، إلا في بغداد، فاليمن بوجهه الجديد الذي عاد فيه صالح، يطالبها بدعم واضح وكثير يوازي الآخرين، على أية حال هذا أمر لا يوافق الحوثي عليه، لأنه عقائدي ولكن صالح وهو شريك في الحكم الانقلابي براغماتي، ويجيد اللعب على الحبال.

حينما وقعت إيران اتفاقها الدولي، مع الدول الكبرى، كانت تمني نفسها بأن يصير النفط أغلى وتطمح أن تستفيد من بيعه ورفع الإنتاج ولكن ذلك تبخر، وعادت ميزانيتها تعاني بقوة وتمنت لو أن تعود العقوبات ويعود السعر إلى سعره القديم، لذلك فقد تكسرت طموحاتها المشاغبة، بإكراهات مالية، ولاضطراب سياسي داخلي.

في هذه الفوضى تبدو دول الخليج كجزيرة استقرار، في ظل أطنان الفوضى، والآن الاستقرار يبدو معجزة، ويحاول كثيرون هزه، عبر الثقافة المسممة، والإشاعات المغرضة، والتصورات المغلوطة. صحيح أنّ هناك برنامج عمل سياسياً مشتركاً تقوده الإمارات والسعودية وبعض الحلفاء، ولكن من الواضح أنّ خلفيته الإعلامية ضعيفة، وورقية، ولا تستند إلى نظريات، وهنا يكمن الخلل في المثقفين.

على الجميع أن يقرأ المشهد، ليعيد ترسيخ الحقيقة العربية، ويضعها في إطار العملية السياسية الحالية. إيران التي تتغير لن توالي العرب قريبًا، وتركيا التي تتقلب لن تصالحنا ولن تتوقف عن استقطاب أولادنا، وإن لم نبن معًا الحقيقة العربية الجديدة كمحور مستقل لا يتم استقطابه سنكون قد أضعنا الفرصة الذهبية.