الأحد 28 أغسطس 2016 / 14:48

هل خططت تركيا لحرب طويلة في سوريا؟

طرح كامران ماتين، محاضر رفيع في العلاقات الدولية في جامعة ساسيكس البريطانية، تساؤلات عما إذا كانت تركيا، إثر دخولها المعمعة السورية، وبشكل مباشر قبل أيام، مستعدة لخوض حرب طويلة هناك.

قد تحقق تركيا بعض الأهداف العسكرية، ولكن على المدى البعيد، لا يتوقع أن تبقى مصالح تركيا متوفقة مع تلك الخاصة بلاعبين رئيسيين في الحرب السورية

 فقد تمكن قرابة ١٥٠٠ من مقاتلي الجيش السوري الحر، وبدعم من دبابات ومدفعية ومقاتلات تركية، من الاستيلاء على مدينة جرابلس الاستراتيجية، الأمر الذي دفع مقاتلي داعش إلى الهروب منها.

الهدف الرئيسي
ويلفت ماتين إلى أن الهدف الرئيسي للتدخل التركي ليس محاربة نظام بشار الأسد الذي بذلت تركيا، طوال السنوات الخمس الماضية، كل ما في وسعها للقضاء عليه، ولا قتال داعش، المتهمة، حتى وقت قريب، بدعمه ضمنياً. الهدف الحقيقي للمغامرة التركية الخطيرة، هم الأكراد عدوها القديم.

ويلفت الكاتب إلى سعي تركيا لمنع الأكراد من إنشاء كيان مستقل في سوريا، من شأنه دعم سكانها الأكراد في سعيهم لكسب اعتراف سياسي وثقافي، ما يعرض وحدة الأراضي التركية لخطر وشيك.

تغير كامل

وبرأي ماتين، توحي الاستدارة التركية لإعادة تنظيم سياستها بشأن سوريا، مع إيران ونظام الأسد، بحدوث تحول دراماتيكي، حتى بالمعايير الشرق أوسطية الجيوسياسية المتسارعة.

إذ عندما انبهرت تركيا بسقوط زعيم عربي تلو آخر، خلال أوج الربيع العربي، راهنت تحت قيادة رئيسها رجب طيب أردوغان، على سقوط سريع لنظام البعث في سوريا، ورمت بثقلها السياسي والديبلوماسي واللوجيستي خلف المعارضة السورية.

سراب
لكن، تحول سقوط الأسد إلى سراب. فقد تلقى نظامه دعماً من إيران، ومن روسيا وحزب الله، واستفاد بصورة غير مباشرة من ظهور داعش، والذي دأب على استهداف قوات المعارضة السورية أكثر من استهدافه لجيش الأسد.

ولا شك أن الأسد نجا من أعتى عواصف الحرب الأهلية. وتبدو تركيا اليوم متقبلة إياه كجزء من حل الصراع، وهو شيء لم تكن مستعدة لقبوله بالمطلق.

فراغ في السلطة
وفي نفس الوقت، استغل الأكراد السوريون فراغاً في السلطة تركه انسحاب قوات الأسد من منطقتهم بسبب اتساع رقعة انتشاره في الأراضي السورية. وسرعان ما ظهر الأكراد كقوة عسكرية - سياسية متماسكة. وتقدموا عبر شمال شرق سوريا بهدف إنشاء كيان يتمتع بحكم ذاتي علماني الطابع، قائم على أساس الاعتراف الدستوري بالتنوع العرقي ـ الديني في المنطقة.

الاستدارة التركية
ويلفت ماتين إلى أنه فيما دعم الأكراد مشروع  "كونفدرالية ديموقراطية" وتوسعوا في السيطرة على مناطق جديدة، ابتعدت تركيا عن هدفها الاستراتيجي لخلع الأسد، وتقدمت نحو احتواء الأكراد.

وقد تسارعت الاستدارة التركية جراء ثلاثة أحداث رئيسية. فقد أدى إسقاط تركيا لقاذفة روسية، وما تبعها من مواجهة روسية ـ تركية، لكشف حدود قدرة تركيا على فرض قوتها العسكرية داخل سوريا، مع خسارة علاقات تبادل تجاري مربحة مع روسيا.

دعم أمريكي للأكراد
ثم كان للدعم الأمريكي للأكراد السوريين دوره الكبير في كسبهم المعركة ضد داعش، مما سبب مزيداً من القلق لتركيا.

وجاءت القشة الأخيرة عبر الانقلاب الفاشل الشهر الماضي. فقد شعرت تركيا بخيبة أمل كبيرة من حلفائها الغربيين، الذين أبدوا دعماً فاتراً، خلال وبعد المحاولة الفاشلة، ما دفع أردوغان للاستدارة شرقاً، واستعادة العلاقات مع روسيا، وتقوية تحالفه مع إيران ضد الأكراد.

متطلبات جيو سياسية

ويرى ماتين أن متطلبات جيو سياسية وديبلوماسية تقف وراء  التدخل الحاسم ضد الأكراد السوريين ( جاء سريعاً بعد تمكن قوات سوريا الديموقراطية من طرد داعش خارج مدينة منبج الاستراتيجية). وقد أدى انتقال الجهاديين إلى جرابلس، ومحاصرة الأكراد لهم هناك، إلى اسريع التدخل التركي لمنع سقوط المدينة بأيديهم.

سياسات معقدة
برأي الكاتب، من السهل بدء الحروب، ولكن من الصعب إنهائها. وقد تحقق تركيا بعض الأهداف العسكرية، ولكن على المدى البعيد، لا يتوقع أن تبقى مصالح تركيا متوفقة مع تلك الخاصة بلاعبين رئيسيين في الحرب السورية.

مصالح روسيا وإيران الطويلة الأمد، ودورهما الاستباقي الجديد في الشرق الأوسط، يقضي، كما يأملون، بإبقاء نظام الأسد في السلطة، وإن غدا ضعيفاً. وتبعاً لذلك، قد يمتنعون عن خوض مواجهة شاملة مع الأكراد، بل سيعمدون، بدلاً منه، لإفشال محاولات الأكراد لإنشاء كيان سياسي مجاور. وسوف تمثل تلك السياسة، بنظر إيران وروسيا، ثقلاً موازناً ضد تركيا.