الأربعاء 31 أغسطس 2016 / 09:25

تركيا ووأد الفيدرالية

د.خليل حسين- الخليج

عندما أطلقت تركيا عمليتها العسكرية في الشمال السوري تحت مسمى "درع الفرات"، كانت تدرك تماماً الالتفاف الإقليمي والدولي حول الأهداف المعلنة والمضمرة للعملية، لاسيما وأن الهدف الأساسي هو مواجهة الفيدرالية الكردية الزاحفة إليها عاجلاً أو آجلاً، إن لم يتم وأد المشروع بعمل عسكري يمنع جمع الأكراد من الحسكة شرقاً إلى جرابلس غرباً في سوريا. لاسيما وأن مشروع الفيدرالية الكردية، أخذ حيزاً واسعاً من الاهتمام الإقليمي وعلى رأسه تركيا، التي لها باع طويل في مواجهة أي مشروع انفصال كردي وتحت أي مسمى في الدول الأربع المعنية في هذا الملف (العراق وسوريا وتركيا وإيران).

فمشروع الفيدرالية الكردية، شكل حساسية سياسية وأمنية مفرطة للدول الأربع، لاسيما وأن إقليم كردستان في العراق شكل نواة صلبة لتعزيز الانفصال الكردي عن الدول الثلاث الأخرى، ففي سوريا والعراق، المنشغلتان بوقائع داخلية شتى، كانت أنقرة تشكل رأس الحربة في مواجهة المشروع علناً وسراً، إلى أن أتت اللحظة المناسبة لإطلاق العملية، بعد تقارب روسي - تركي واضح، علاوة على تنسيق إيراني- تركي غير معلن في هذا المجال، واللافت في هذا المجال ترافق إطلاق العملية مع زيارة نائب الرئيس الأمريكي جون بايدن إلى أنقرة، ما يشكل دعماً أمريكياً لأهداف العملية، بخاصة إذا تم التدقيق في مواقف بايدن حول الوضع السوري والعراقي بما يخص الموضوع.

ثمة أسباب أخرى ساعدت في تسريع عملية "درع الفرات"، وأبرزها تسريع وتيرة التحرك الكردي في شرق سوريا وبالتحديد منطقة الحسكة، المعقل الأساسي لقوات حماية الشعب الكردي، والذي يعتبر جناحاً عسكرياً وازناً في تسيير دفة القرار السياسي الكردي لدى أغلبية الفصائل الكردية الوازنة، والذي شكل خطراً جيوسياسياً داهماً في الخريطة الكردية الإقليمية، ما استدعى التفافاً واعياً ودعماً قوياً للعملية التركية في الشمال السوري.

ثمة مصلحة قوية جمعت أطرافاً كثيرة لمواجهة الفيدرالية الكردية، فحتى التنظيمات الكردية نفسها لم تقرأ جيداً الظروف الإقليمية والدولية التي تحيط بها، فهي ارتكبت الخطأ نفسه، الذي أدى إلى تقديرات خاطئة، بأنهم قادرون على فرض مشروع فدرالي في هذه الحمأة الإقليمية، وفي وقت لا أحد قادر على فرض مثل تلك المشاريع في هذا التوقيت، التي تُتشكل فيه نظم ومشاريع أكبر من تشكيل كيان سياسي تحت مسميات مختلفة.

ربما شكل إقليم كردستان في العراق دافعاً قوياً ونموذجاً يحتذى به أمام الأكراد في باقي دول الشتات، إلا أن الظروف التي أطلقت المشروع آنذاك هي مختلفة عن ظروف اليوم، ومن الصعب إسقاط ظروف إقليم كردستان على ظروف أي منطقة كردية في الدول الثلاث الأخرى، والدليل على ذلك توافق الأعداء قبل الحلفاء والأصدقاء على العملية التركية في الشمال السوري.

ربما تشكل القضية الكردية حالة نادرة إلى جانب القضية الفلسطينية، كتعبير صارخ لازدواجية المعايير الدولية، ذات الصلة بحق تقرير المصير في بناء كيان سياسي لقومية كبرى لها مؤهلاتها القيمية الثقافية والحضارية، لكن قدر الأكراد يبدو هو قدر الفلسطينيين، وإن اختلفت بعض الوقائع والظروف في بعض الجوانب والأبعاد.

في أي حال من الأحوال، ليست المرة الأولى التي ينتفض فيها الأكراد لإطلاق "الحلم المستحيل"، لكن هذه المحاولة شكلت وأداً مبكراً، لمشروع صعب المنال، فتاريخياً، ثمة عداوات واتفاقات متبادلة بين الدول الأربع فوق الطاولة وتحتها، حول قضايا مختلفة ومعقدة، لكن المعروف أيضاً، حتى ولو اختلفت الدول الأربع حول أي قضية، ستتفق حكماً على القضية الكردية، وإذا كان هناك من محاباة لتنظيم كردي ما من قبل أي دولة من الدول الأربع، فلا يعدو كونه رأس حربة في مواجهة دولة أخرى. فهل حققت أنقرة حلمها أيضاً في القضاء على مشروع ينظر إليه الخطر الاستراتيجي الأول على وحدة الكيان التركي؟ يبدو أن الأمر كذلك.