السبت 24 سبتمبر 2016 / 18:59

"تشريح داعش" ... مصادر الكتابات والدراسات حول التنظيم الإرهابي

رغم أن التقرير المطول الذي أصدره مركز مكافحة الإرهاب التابع للأكاديمية العسكرية الأمريكية في ويست بوينت بولاية نيويورك عن داعش يؤكد في سطوره الأولى أن التقرير يستخدم بيانات "فريدة من نوعها" فإنه يعترف بأن "أحد التحديات في فهم الطريقة التي يعمل بها التنظيم حاليا، والتهديد بعيد المدى الذي يشكله، هو أن معظم المصادر المفتوحة تركز على جانب وحيد من نشاطاته مثل تمويله أو معاملته الوحشية للمدنيين" ثم يقول: "هذه النظرات المركزة على أجزاء محددة لا تعطي معلومات كافية، كما أن أحد التحديات الشديدة الشديدة والمتأصلة أمام هذا النوع من الدراسات والتحليلات هو نقص مصادر المعلومات الأساسية حول التنظيم .. فعندما يتعلق الأمر بداعش فإن كمية المعلومات المتوافرة محدودة نسبيا".

إن هذا التقرير الذي ترجمه مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية تحت عنوان "الجماعة التي تسمي نفسها دولة: فهم تطور تنظيم الدولة الإسلامية وتحدياته" يبين، رغم اجتهاد من أعدوه في الاستعانة بمصادر قوية وتحليلها على وجه علمي، مدى الصعوبات التي تواجه أي دراسة علمية حول داعش، الأمر الذي قد يُسقط الباحثين المتعجلين في فخ مقولات ودعايات التنظيم، حين لا يجدون غيرها أمامهم، أو في فخ الدعايات المضادة التي تنبع أساسا من الحرب النفسية التي تمارس ضد داعش، وترمي أيضا إلى تقبيحه بما يجعله غير جاذب لشباب ينطلي عليه ما يقوله التنظيم عن نفسه، وحياة الذين يعيشون في كنفه وتحت سلطانه، ليخفي حقيقته البشعة.

بالطبع، فإن داعش يمنع أي دراسة له عبر "الملاحظة بالمشاركة" إذ لا يمكن لباحث أو دارس أن يدخل إلى الأرض التي يسيطر عليها التنظيم ويجري مقابلات أو يراقب عن كثب ما يجري. فالتنظيم إن اكتشف أحدا على هذا النحو سيقتله حتما، بعد أن يوجه له تهمة التجسس. وفي تاريخ التنظيمات المتطرفة نجح باحثون قلائل في اختراق صفوفها ودراستها، لكنهم تحايلوا حتى يصلوا إلى أهدافهم. فمثلا تظاهر الإنجليزي ريتشارد ميتشيل بإعلان إسلامه، وانخرط في صفوف جماعة الإخوان، وأعد عنها واحدة من أفضل الدراسات. ويستخدم الباحث الفرنسي فرانسوا بورجا إخباريين ووسطاء، حتى يتمكن من دراسة التنظيمات المتشددة في بلدان عربية عدة، خصوصا الجزائر ومصر.

في العموم، هناك عدة مصادر لجمع معلومات حول داعش، ومن ثم دراسته على وجه علمي، وبقدر المستطاع، يمكن ذكرها على النحو التالي:

1 ـ كثير من المعلومات المتوافرة عن داعش أتت من منشقين هاربين. فهناك من انتمى إلى التنظيم لكنه لم يطق الاستمرار في صفوفه، فتركه وهرب خوفا من أن يقام عليه "حد الردة" بقطع الرقبة. وتعامل الدارسون مع أقوال هؤلاء باعتبارها "شهادات عيانية" يمكن الاعتماد عليها، بعد إمعان النظر فيها، واستعمال وسائل الصدق المتعارف عليها منهجيا في التحقق من المعلومات، أو على الأقل تجنيب تأثير حجم الدعاية والكذب فيها إلى أدنى حد ممكن.

2 ـ هناك معلومات يوفرها سكان محليون، في سوريا والعراق، ممن وقعوا تحت حكم داعش. لكن الخوف، بل الرعب الشديد، الذي يعيشه هؤلاء يجعلهم عاجزين عن الإفصاح عن كل ما يعرفونه. فهم يخضعون لرقابة شديدة، فيما ينطقون به أو يكتبونه على مواقع التواصل الاجتماعي، ويتنقلون من مكان إلى مكان، بلا توقف، حتى لا يتم رصدهم.

3 ـ بعض المعلومات توفرها السلطات العراقية والسورية التي تواجه داعش في الأرض الذي يسيطر عليها من البلدين، أو في المدن التي يهاجمها بين حين وآخر. وهذا الصنف من المعلومات، وإن كان لا يسلم من ألوان الدعاية، فإنه غاية في الأهمية، نظرا لأن مصدره يمتلك، أكثر من غيره، وجودا على الأرض، واختراقا لصفوف التنظيم، لاسيما أن كثيرين من الساسة والمثقفين الذين وقعت المدن التي يقطنونها تحت سلطان داعش، لهم روابط قوية بسلطتي البلدين.

4 ـ هناك المعلومات التقليدية لاسيما تلك المتعلقة بالجغرافيا، والإمكانيات الاقتصادية، والتركيبة السكانية. فداعش ليس تنظيما سريا مغلقا، بل هو يقدم نفسه بوصفه سلطة تحكم شعبا، ولو بالقهر أو الإجبار، وتسيطر على أرض من دولتين، لها خصائصها الطبيعية، ويسكنها بشر في مدن وقرى، معروف عنها الكثير، قبل أن يظهر داعش على الساحة. وأفادت هذه المعلومات في تقدير جانب كبير من الموجودات الاقتصادية التي بحوزة التنظيم، وبوسعها أيضا أن تساعد في فهم وسائل سيطرته، وإمكانية قيام حركات مقاومة محلية ضده في الأماكن التي يسيطر عليها.

5 ـ توجد معلومات توفرها أجهزة المخابرات، لكن المتسرب منها يخضع لأغراض واتجاهات كل جهاز استخبارات على حدة، وهو شحيح قياسا إلى ما بحوزة تلك الأجهزة، التي يمكن لها أن تعطي بعض ما لديها إلى باحثين بعينهم، أو تعد هي تقارير مطولة، لكن يظل هذا قاصرا على اختياراتها ورغباتها ومصالحها، وليس متاحا أمام كل الباحثين والدارسين.

6 ـ الصحفيون المغامرون ممن يتمكنون من التسلسل إلى المناطق التي يسيطر عليها داعش. لكن حياة هؤلاء يحفها خطر شديد، فلو أُكتشف أمرهم سيكون مصيرهم القتل المروع، مثلما حدث للمصور الصحفي الأمريكي جيمس فولي الذي كان يعمل مع وكالة "جلوبال بوست" الإعلامية الأمريكية، واختطفه داعش في 22 نوفمبر 2012 خلال تغطيته لأحداث الحرب الأهلية السورية وبقي محتجزا لديه إلى يوم 19 أغسطس 2014 حيث قام التنظيم بقطع رأسه.

7 ـ توجد المعلومات التي يسمح بها داعش عن نفسه ويسربها بمعرفة أجهزة معنية في التنظيم، وهي الأكثر خضوعا لتلاوين الدعاية، لاسيما أن التنظيم بات بارعا في هذا الأمر. ومع هذا يمكن التعامل مع تلك المعلومات ليست باعتبارها الحقيقة، إنما هي إدراك داعش لنفسه ودوره وأهدافه. وهناك معلومات التي تتساقط من منتمين للتنظيم دون ترتيب مع أجهزة الإعلام والدعاية، مثل ما يكتبه الدواعش على صفحاتهم بمواقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" و"تويتر"، وما يصورونه ويطلقونه على "يوتيوب".

8 ـ الخبرة السابقة للتنظيمات الإرهابية، فداعش ليس أول تنظيم يحمل السلاح، أو يقتطع جزءا من دولة ويعلن عليها إمارته، فقد سبقته "جماعة التوحيد والجهاد" في إعلان دويلة في العراق، وسيطرت "طالبان" على الجزء الأكبر من أفغانستان إلى أن تمت إطاحتها عام 2001، وسيطرت جماعات متطرفة على أجزاء من الصومال. وكل تنظيم لاحق في سلسلة التطرف والإرهاب المسنود إلى الإسلام يتأثر بسابقيه سواء في الفكر أو في الحركة، ومن ثم يستفاد من خبرة التعامل مع التنظيمات السابقة في فهم تفكير وتدبير التنظيمات الحالية واللاحقة.

9 ـ المصادر الفكرية والفقهية التي يستمد منها داعش آراءه، ويبني تصوراته، ويتخذ بعض قراراته، وهي كتاب "ملة إبراهيم" لأبي محمد المقدسي، و"إدارة التوحش" لأبي بكر ناجي، و"معالم في الطريق" لسيد قطب، و"فصول في الإمامة والبيعة" لأبي المنذر الشنقيطي، و"مسائل من فقه الجهاد" لأبي عبد الله المهاجر، و"دعوة المقاومة الإسلامية" لأبي مصعب السوري، و"معالم الطائفة المنصورة في بلاد الرافدين" لميسرة الغريب، و"رفع الالتباس عن ملة من جعله الله إماماً للناس" لجهيمان بن محمد العتيبي، و"أهل التوقف بين الشك واليقين" لحلمي هاشم، والعمدة في إعداد العدة" و"الجامع في طلب العلم الشريف" لسيد إمام المعروف باسم الدكتور فضل، وهو أبرز منظري تنظيم الجهاد والقاعدة.
 فمثل هذه الكتب تساعد في فهم الأطر التي ينطلق منها التنظيم، والأسانيد والإحالات التي يسوغ بها سلوكه، وبعض الأهداف التي يصبو إليها، وبعض الأساليب القتالية التي يتبعها.

10 ـ الخبرة السابقة للتنظيمات المسلحة، اليسارية واليمينية، التي عرفها العالم في التاريخ الحديث والمعاصر، لاسيما في بلاد مثل السلفادور، وإريتريا، ونيبال، والبيرو، وسري لانكا، حيث ظهرت العديد من الحركات والمليشيات التي كانت تمارس العنف وتنتهج أسلوب حرب العصابات في بعض الأحيان. وهناك ما يدل على أن داعش استفاد من ميراث هذه الحركات، خاصة أن أجانب ينتمون إلى جنسيات مختلفة قد انخرطوا في صفوف داعش.

11 ـ ما جاد به الباحثون من تحليل لأفكار داعش وتصرفاته، مستخدمين أدوات واقترابات ومناهج البحث العلمي، ومنزلين إياها على ما لديهم من معلومات، لتعطيهم أفقا وعمقا، عبر التحليل، الذي يمكنهم من التخمين والتكهن وترميم النقص في المعلومات والتصريحات والوثائق المنسوبة لداعش، واستعمال الخيال والحدس، بما يمكنهم من تحديد ملامح التنظيم، ورسم السيناريوهات المستقبلية بشأنه. وقد أنتج هذا الجهد كتبا وأبحاثا ودراسات عديدة، بلغات عدة.

ولابد للدارسين من أن يعتمدوا على هذه المصادر جميعا، كي يقتربوا أكثر من هذا التنظيم الغريب، الذي لا يرى منه إلا جزء ضئيل طاف، بينما يغطس أغلبه بعيدا عن الآذان والعيون والأفهام، ويجعل إعداد دراسة علمية عنه مسألة ليست سهلة أبدا.