الأحد 25 سبتمبر 2016 / 18:57

اغتيال ناهض حتر: ظلامية في وضح النهار

قامت دوافع المتطرفين لاغتيال الكتاب والمفكرين على عداوة مبنية في مجملها على مواقف جاهلة بفكر الكاتب وإبداعه، استناداً على التحريض الغوغائي، الذي يشكل أداة متخفية للقاتل الحقيقي، الذي يتجاوز في الهدف إزهاق الأرواح لكل من تسول له نفسه أن يغاير فكره المتطرف، بل إشعال الفتنة المذهبية والطائفية وتمزيق النسيج الوطني للمجتمعات وبث الرعب وإخراس كل صوت يناقض فكرهم الداعشي الإرهابي. لهذا تراهم يحشون رؤوس الأدوات الظلية المفرغة من التفكير بالعنف وضرورته للقيام بالجرائم الإرهابية ويجيء اغتيال ناهض حتر ليذكر باغتيال فرج فودة ومحاولة اغتيال نجيب محفوظ التي وقعت بجانب مستشفى الشرطة بالعجوزة في القاهرة، لترهيب القاهرة وإرعابها من جهة ورفع معنويات المتطرفين من جهة أخرى.

ولا يمكن عند الحديث عن اغتيال حتر إهمال المكان الذي وقعت فيه الجريمة الإرهابية، في قصر العدل، كما لا يمكن إهمال توقيتها الذي جاء في وضح النهار وهو بلا حرس ولا حماية، والهدف هو إرعاب وترهيب كل الأردنيين الشرفاء الذين أسهموا ويسهمون مع غيرهم من الكتاب والمبدعين والفنانين العرب في تعرية الظلامية وفضحها، واختيار "قصر العدل" ليكون مكانا لوقوع الجريمة جرأة ما بعدها جرأة، فكأن المجرم يقرر بأن القتل هو الحكم العادل، والدولة بقوانينها لا تستطيع أن توقف سريان حكم المتشددين والظلاميين الذين يرتكبون جريمتهم في وضح النهار، و في هذا السياق يصعب تناسي المحرضين في وسائل التواصل الاجتماعي، الذين دعوا إلى قتله، ولا شك أن الحكومة الأردنية ستتخذ إجراءاتها بحزم ضد المحرضين على الاغتيال والظلاميين الذين كانوا سبباً رئيسياً في وقوع مثل هذه الجريمة التي شكلت صدمة للمجتمع الأردني الذي لم يعرف هذا اللون من الجرائم.

إن الكاريكاتور الذي قتل حتر من أجله ليس من رسمه، وإنما قام بنشره، ليس في صحيفة واسعة الانتشار وإنما في حسابه على فيس بوك، ما يؤكد بأن مواقع التواصل الاجتماعي أضحت اليوم أكثر تأثيراً على الإرهابيين من الصحف والقنوات التلفزيونية، وقد بيّن حتر مراراً بأنه لم يكن ساخراً من الذات الإلهية عندما نشر الكاريكاتور، وأقسى ما يمكن أن يقال في هذا الشأن إن ناشرها مؤول لمغزى الكاريكاتور الذي كان بعنوان "رب الدواعش" في سياق إيجابي يريد فضح من يعتدي على الأديان بهدف تشويه صورتها وتزييف معتقداتها، ورغم كل ذلك، ونزولاً عند من فهم رسالة النشر خطأ قام حتر رحمه الله بحذف المنشور، ولم يكتف بذلك بل اعتذر من أولئك الصادقين في مشاعرهم، تأكيداً على احترامهم وأن هدفه ليس إهانة المعتقد، وإنما تعرية بعض المعتقدات الزائفة التي ترى الإله داعية قتل وإرهاب، كان حسب ما أعلن، والنية من أمر ربي، يريد أن يبعد هذه التهمة عن الدين السمح، ولذلك عندما صدر الأمر بالتحقيق معه وإيقافه كان الأمر صادماً عند بعضهم لأنه لا توجد تهمة، فناقل الكفر ليس بكافر، خاصة وأنه ليس من أنتج الرسم الكاريكاتوري أو رسمه، وردة الفعل ضده حسب بعضهم كانت نتيجة حملة قد أديرت بعناية من قبل المتشددين الذين لا يريدون الخير للأردن وقد نجحوا في تضليل الشارع وتهييجه.

من أي زمن أتى هذا المجرم، وأي عصر، هذا ما قاله أحدهم معلقاً على خبر اغتيال حتر، ثم أكمل: ألم يمت أولئك الذين يقتلون الصحفيين والكتاب وهل بقي منهم أحد على قيد الحياة؟ اغتيال صادم، وجريمة لا يمكن تخيل حدوثها في الأردن تحديداً، الذي ظل في تحولاته كافة منفتحاً على التنوع مقدراً الاختلاف، يتمتع أهله بالانفتاح على الأفكار، ولذا فإن اغتيال الكاتب والصحفي حتر يمكن أن يقال بأنه سيضع الأردن على مفترق الطرق، وأظن بأن الأردن لن يقف مكتوف الأيدي ولن يتخاذل، وقد آن الأوان أن تتغير الموازين كعادتها على المتشددين الذين حرضوا على حتر علنا ولم يتخذ حتى الآن إجراء قانوني ضدهم، لكن الأردن سيهزم الداعشية، داعشية الفكر، ولن يجعلها تنتصر أبداً، كما أنه لن يجعل هؤلاء المحرضين يسرحون ويمرحون في الشوارع بأفكارهم القاتلة.

إنّ هذه الجريمة البشعة تؤكد مجدداً تفاهة الفكر الإرهابي وعجزه، فالأفكار لا تجابه إلا بالأفكار، وعندما يلجأ الجبناء إلى الرصاص فإنهم يعجزون عن قتل الفكر ويصيبون حقدهم في مقتل .