الثلاثاء 11 أكتوبر 2016 / 18:04

عراق ما بعد معركة الموصل

تسارع التحرك الإيراني في العراق قبيل معركة الموصل يكشف عن حرص على إدامة التحالف الوطني وذراعه العسكرية الحشد الشعبي والميليشيات الشيعية أدوات ضاربة لأي دور فعلي لقوى إقليمية منافسة على الاراضي العراقية

يلتقط الجدل المحتدم حول ما بعد معركة الموصل جوهر أزمات نظام المحاصصة العراقي الذي تشكل على أرضية ديماغوجيا وموازين قوى ما بعد الاحتلال الأمريكي للبلاد وتحول في وقت قياسي الى حاضنة لإيقاظ ونمو الهويات الفرعية وانقسام المكونات الاجتماعية والسياسية بين انفتاح الشهية على السيطرة ورفض هيمنة مكون على آخر .

تهديدات الميليشيات الشيعية العراقية بضرب القوة التركية المتمركزة في منطقة بعشيقة ودور التحالف الوطني العراقي الحاكم في تحشيد البرلمان ضد الوجود التركي تدلل على قوة الضغط الإيراني التي دفعت حيدر العبادي لإظهار كل ما أظهره من حماسة لإعادة فتح الملف.

وفي زخم التصعيد وآليته ما يزيد من مخاوف المكونات غير الشيعية في الموصل ومحيطها وغيرهما من المناطق ذات الكثافة السكانية السنية لا سيما وأنه يأتي بعد أشهر على توقف الحكومة العراقية عن دعم الحشد العشائري "السني" الذي يقوده أثيل النجيفي، مما أجبر الاخير على زيادة استعانته بالأتراك ويترافق مع شكوك مجلس محافظة الأنبار في وعود ميليشيات الحشد الشعبي "الشيعي" المتعلقة بالانسحاب من المحافظة بعد أن تحقق هدف دحر داعش منها .

ارتفاع صوت العبادي مجدداً لمطالبة تركيا بسحب قواتها لا يخفي ضعف حجة حكومته في الاعتراض على الوجود والدور التركيين في البلاد حيث كان صمته عن دخول القوات التركية موافقة ضمنية وفرت الغطاء السياسي اللازم للدخول كما تفتقر الحكومة العراقية السيطرة الفعلية على أجزاء من الأراضي المفترض أنها خاضعة لها ولا يتوقف بحثها عن مبررات لإبقاء العراق مفتوحاً على مصراعيه أمام الاستخبارات الإيرانية ومليشيات الحرس الثوري علاوة على مباركة البشمركة الكردية المشاركة في معركة الموصل للدعم التركي .

يؤخذ على العبادي أيضا أنه يحاول التأقلم مع ديناميات جديدة داخل التحالف الوطني أطلقتها تحركات إيرانية وفي سياق هذه المحاولة يأتي إلقاء رئيس الحكومة كل ثقله إلى جانب الحشد الشعبي لضمان أكبر مشاركة للأخير في المعركة المقبلة التي تقضي خطتها بدعم تركي لقوات البشمركة وحشد عشائر العرب السنة كما تتضمن شرطاً بعدم وصول المليشيات الشيعية الى مركز الموصل .

تسارع التحرك الإيراني في العراق قبيل معركة الموصل يكشف عن حرص على إدامة التحالف الوطني وذراعه العسكرية الحشد الشعبي والميليشيات الشيعية أدوات ضاربة لأي دور فعلي لقوى إقليمية منافسة على الاراضي العراقية يقابل هذا الحرص قلق تركي من إفرازات الهيمنة الايرانية المحتملة على الموصل، لاسيما وأنها تهدد في حال حدوثها الوجود السني بعربه وتركمانه وأكراده في منطقة محاذية لتركيا وتؤثر على مجريات الاحداث في سوريا .

التخبط الرسمي العراقي في التعامل مع التجاذب الإيراني ـ التركي حول ترتيبات ما بعد معركة الموصل وغياب الدور الأمريكي الفاعل في ضبط إيقاع الفوضى يساهم في تعميق تدويل الأزمات الداخلية العراقية وزيادة تشظي المكونات الاجتماعية والسياسية في البلاد ومن ثم تكريس حقيقة ترك تقرير مصير العراق لمتطلبات مصالح القوى الإقليمية المتصارعة التي يهمها بقاءه ساحة خلفية لتصفية الحسابات وربما تقسيمه إذا أتيحت الفرصة .