الأحد 23 أكتوبر 2016 / 15:09

رحلة أردوغان من الوعد بالليبرالية إلى الاستبداد والتسلط

تحت عنوان "رحلة أردوغان"، تساءل خليل كارافيلي، زميل بارز في المركز التركي التابع لمعهد وسط آسياـ القوقاز وبرنامج دارسات طريق الحرير المشترك، عما جرى للرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي وعد عند تسلمه السلطة في عام 2003 بتحقيق ليبرالية اقتصادية وسياسية، إلا أنه حول بلاده بدل ذلك إلى نظام مستبد تسلطي.

عند تسلمه السلطة، بدا أردوغان مصمماً على كسر ذلك التقليد، وأطلق على نفسه لقب "إسلامي غير تقليدي". ولكن عندما انتخب رئيساً لبلدية اسطنبول في عام 1994، اتخذ خطاً إسلامياً محافظاً

وفي الصيف الماضي، يقول الكاتب في مقال في مجلة فورين أفيرز، بدا أن أردوغان قد تجاوز جميع الخطوط، عندما حاول مجموعة من الضباط قلب نظامه، بأمر، كما يصر أردوغان، من حليفه السابق، فتح الله غولن، رجل دين إسلامي نافذ يقيم في الولايات المتحدة. وعندما بدأ الانقلاب، استطاع أردوغان وبسرعة حشد أنصاره من داخل القوات المسلحة ومن بين أطياف الشعب التركي، وتمكن من وأد المحاولة الانقلابية بسهولة مدهشة.

قمع سريع
ويلفت كارافيلي إلى عملية القمع السريعة التي أعقبت الانقلاب الفاشل، وقيام الحكومة باعتقال عشرات الآلاف من المتهمين بتأييد غولن. كما أغلقت منافذ إعلامية، وأوقف عشرات الآلاف من الأكاديميين عن أعمالهم. وأظهر الرد على المحاولة الفاشلة أن قبضة الرئيس التركي على السلطة ظلت أقوى مما افترضه حتى أشد منتقديه.

الانقلاب وتبعاته
ويشير الكاتب إلى أن أحداً لم يتوقع الانقلاب أو تبعاته. ولكن حتى قبل تلك الأحداث، أدرك عدد من الليبراليين في تركيا وفي كل مكان، ممن هللوا لقدومه كمؤشر على التقدم، إخفاق أردوغان في تحقيق وعوده.

ورغم حرص أردوغان على عدم الإشارة لرغبته بتحويل تركيا إلى دولة إسلامية، إلا أنه لم يسع قط إلى جعل نظامها ليبرالياً. وسعى إلى الإبقاء على النظام الاجتماعي المحافظ، مع العمل على إصلاح التصدعات القديمة بين الدولة التركية وأقلياتها العرقية والثقافية، وخاصة الأكراد.

استغلال الإسلام
ويلفت كارافيلي إلى اعتقاد الرئيس التركي أنه قادر على استغلال الإسلام السني، الذي ينتمي له معظم الأتراك، كقوة جامعة. ولكن خلافات واضطرابات شهدتها السنوات الأخيرة أثبتت خطأ ذلك الاعتقاد.

وبرأي الكاتب، منذ انهيار الامبراطورية العثمانية في عشرينات القرن الماضي، وتأسيس كمال أتاتورك للدولة الحديثة، لم يحكم تركيا زعيماً ليبرالياً. ولم تحترم قط أية حكومة تركية الحريات الشخصية أو حرية التعبير أو حقوق الأقليات. وقام النظام اللاليبرالي في تركيا، والذي سيطر عليه الجيش وحكومات شعبية منتخبة، على هيمنة الدولة والقومية والتشدد الديني، وحماية مصالح الشركات الكبرى.

إسلامي غير تقليدي
عند تسلمه السلطة، بدا أردوغان مصمماً على كسر ذلك التقليد، وأطلق على نفسه لقب "إسلامي غير تقليدي". ولكن عندما انتخب رئيساً لبلدية اسطنبول في عام 1994، اتخذ خطاً إسلامياً محافظاً، قائلاً إنه يفضل فرض الشريعة، وأشرف على منع بيع الكحول في جميع المحلات التابعة لبلدية المدينة.

وكرئيس للوزراء، وعد أردوغان بإنشاء "عقد اجتماعي جديد" بين الدولة والمجتمع، وطالب بتطبيق سلسلة من الإصلاحات التي من شأنها الفصل بين السلطات، واستقلالية القضاء، وحرية الصحافة، وإرساء حكم القانون. وقد أراد جعل تركيا أكثر انفتاحاً للاستثمارات الأجنبية، وجعلها "أكثر تعاوناً مع العالم، وفي سلام معه".

كذلك، طبق سلسلة من الإصلاحات التي كان من شأنها تلبية مطالب كردية تتعلق بحقوق مدنية، وبشيء من الحكم الذاتي. ولكن الرئيس التركي أخفق في تطبيق إصلاحات اقتصادية وسياسية مع الأكراد، كما أمل ليبراليون.

انهيار المحادثات مع الأكراد
ولذا، يرى كارافيلي أن أردوغان جر تركيا إلى الخلف لا إلى الأمام. وانهارت المحادث مع الأكراد، ونشبت الحرب من جدد في جنوب شرق تركيا، حيث معظم السكان أكراد.

ثم تشددت حكومة أردوغان في تطبيق قوانين محاربة الإرهاب بهدف قمع جميع أشكال المعارضة. وبحلول عام 2012، كان أكثر من 9000 من طلاب جامعيين وصحفيين ومحامين ونشطاء نقابيين ينفذون أحكاماً بالسجن بتهم "المشاركة في نشاطات إرهابية".

تعطش للسلطة
وبحسب الكاتب، تعود الفجوة بين تركيا التي أمل كثيرون بأن تتحقق في عهد أردوغان، وبين ما هي عليه اليوم، إلى سبب وحيد هو تعطش الرئيس التركي للسلطة الشخصية. وهذا ما أشار إليه لأول مرة مراد بيلج، مفكر ليبرالي تركي استمر في تأييد أردوغان إلى حين قمع احتجاجات قامت في وجه مشروعه لتحويل حديقة جيزي في اسطنبول، في عام 2013. وكتب بيلج في حينه: "كل المشاكل التي تحدق بتركيا سببها شخصية أردوغان وطموحاته، وخاصة أن الرجل لم يؤمن قط بأي شيء سوى بنفسه، ولم يكن لديه أي هدف سوى تعظيم ذاته".