الثلاثاء 25 أكتوبر 2016 / 18:18

ليس لدى داعش فرسان أو مشاة.. بل أشباح

إذا كرر داعش مفاجآته الشبحية بنجاح فقد تطول المعركة فوق ما يطيق 1.5 مليون مدني من سكان الموصل

في زمن السلاح غير الأبيض، اندثرت فروسية "أيام زمان"، وتغيرت مفردات المعارك، وأصبح الالتحام نادراً، فالزمن زمن ديناميت نوبل ومشتقاته المرعبة التي توضع في السيارات المفخخة، والعربات المصفحة المحشوة بأطنان من المتفجرات الكيميائية التي قد تبعثر نتيجة معركة، ولو بفترة قصيرة.

مواجهة الفرسان مفقودة إلى الأبد بين داعش وتحالف المهاجمين في معركة "قادمون يا نينوى"، وداعش يفوز حتى الآن في الموصل.
لكن مدى أسبوعين إلى شهرين، كزمن افتراضي للمعركة التي بدأت قبل عشرة أيام، لم يكتمل بعد في حده الأدنى. ففي أول يومين بدا أن المعركة قد تكون خاطفة وتحطم الرقم القياسي الافتراضي، عندما تقدمت البشمركة مسيطرة على قرى تبعد عن مدينة الموصل ما بين ثمانية كيلومترات وعشرة، دون مقاومة تُذكر من داعش.

في الأيام التالية، جاء رد داعش مفاجئاً، فضرب في عمق كركوك، حتى استهلكت البشمركة ستة أيام لتأمين المدينة من جديد. الضربة التالية في الرطبة خلخلت حسابات الجيش العراقي، والحشد العشائري، حين سيطر التنظيم، على مدى يومين، على المدينة الواقعة في محافظة الأنبار قريباً من الحدود العراقية - الأردنية.

ومحافظة الأنبار تشكل ثلث مساحة العراق كله، بما فيه إقليم كردستان، متفوقة في المساحة (حوالي 138 ألف كيلومتر مربع) على مساحة الأردن البالغة حوالي 89 ألف كيلومتر مربع، مع اشتراك المحافظة مع الأردن بحدود طولها 181 كيلومتراً، عدا عن حدودها مع سوريا التي تتشاركها مع الموصل بطول 605 كيلومتر.

هذه الحدود الممتدة، مع فرصة أقل لنفاذ داعش عبر كردستان إلى إيران، أو تركيا، وبالنظر إلى الأهمية الفائقة لسيطرة التنظيم على الموصل، معنوياً واقتصادياً، ترجح أن التنظيم سيتمكن من عرقلة خطط المهاجمين بتشتيت انتباههم عبر معارك جانبية كما حدث في كركوك والرطبة والرمادي وسنجار.

من حيث العدد، يواجه ستة آلاف مقاتل من داعش ستين ألف مقاتل من كل من البشمركة، والحشد الشعبي، والحشد الوطني، والحشد العشائري، إضافة إلى الجيش العراقي. ويدل سير المعارك أن رعب داعش يسكن في قلوب المهاجمين، الذين تجنبوا المواجهة المباشرة، وهو ما يفضله داعش، خاصة أن تلك الحشود معززة بدعم طيران التحالف الدولي، والمدفعية التركية، ويمتلك خطوط إمداد مفتوحة. مع ملاحظة أن الالتحام المباشر قد يحيد الطيران والمدفعية بعيدة المدى، لكن الكثرة تغلب الشجاعة، وهذا ما يحرص داعش على تجنبه.

الرعب من داعش حقيقة، وبأسهم الشديد وشجاعتهم غير الإنسانية حقيقة أيضاً. يضاف ذلك إلى وجود قيادة موحدة لداعش خبيرة بأرض العراق، وخبيرة في تكتيكات حرب العصابات، وإلى وجود موارد مالية وتسليحية معتبرة على المدى القصير والمتوسط، وربما على المدى الطويل إذا استنزف التنظيم القوات المهاجمة وعزز ترسانته التسليحية بالاستيلاء على أسلحة المهاجمين كما حدث قبل أكثر من سنتين في قاعدة "سبايكر"، حيث شحن التنظيم صواريخ متوسطة المدى من الموصل إلى الرقة واستعرضها في ساحات المدينة!

بالطبع، تبقى قاعدة "الحرب خدعة" صحيحة في كل زمان ومكان، والمفاجأة قد تقلب أحياناً نتائج المعارك، بغض النظر عن الاختلال في توازن القوى. وما يقال عن تفوق القوى المهاجمة لناحية تمتعها بالدعم الجوي، يؤكد أن قوة ستة آلاف داعشي معادلة لقوة الستين ألف مهاجم، أما إذا كرر داعش مفاجآته الشبحية بنجاح فقد تطول المعركة فوق ما يطيق 1.5 مليون مدني من سكان الموصل.

لكن المعارك التكتيكية لا تحسم معركة استراتيجية كمعركة الموصل، فمدينة مثل عين العرب – كوباني، أو تدمر، أو جرابلس، لا تُقارن بالموصل، في حسابات داعش، أو في حسابات القوى التي تريد استعادة المدينة، ولذلك خابت كل التوقعات، وستخيب، في تقدير زمن معركة الموصل مقارنة مع سابقاتها. أولاً، بسبب حجم المساحة التي يتحرك فيها داعش في العراق، وخبرته في المناورة، وفي تكتيك حرب العصابات الذي يتقنه أكثر من كل الأطراف المعادية له. وثانياً، لأنه ينظر استراتيجياً إلى معركته القادمة في سوريا، فهو يتحرك الآن في مساحات هائلة مقارنة مع المساحات المتاحة له في سوريا، وهي كبيرة أيضاً، لكن إخراجه من العراق، وضبط الحدود السورية العراقية (إذا أمكن ذلك)، سيجعله محاصراً بعدد أكبر من الأعداء، مع إمكانية أقل للحصول على الإمدادات.

إذاً، أهمية الموصل الاقتصادية، والمعنوية، ستجعل داعش يتمسك بها بالطريقة التي تصرف فيها خلال أول عشرة أيام من المعركة، إذا لم يغير المهاجمون تكتيكاتهم، بمحاولة إغلاق الحدود السورية العراقية، وشن معركتين متزامنتين، شرق الحدود وغربها، تفاجئان التنظيم وتشتتان مخططاته، دون مواجهة فرسان بين الطرفين بالتأكيد، فكلا الطرفين مستقيل من هذه الصفة، عسكرياً، وأخلاقياً.

كل ذلك لا يمنع من توقع أن تنتهي مفاجآت داعش، وتبدأ مفاجآت المهاجمين، لتحقيق هدف تخليص المدينة من التنظيم، وربما ضمن الزمن المتوقع سلفاً.