السبت 12 نوفمبر 2016 / 20:06

حكايات معرض الكتاب

معرض الكتاب بالنسبة لمن يعشقون غبار الكتاب يشبه المول الضخم الذي يحتوي آخر صرعات الموضة و"البراندز" في كافة مجالات العلوم الإنسانية والتقنية، لذلك فإن التسوق فيه يشبه رحلة التسوق في أحد المولات التجارية الكبرى، فعندما تبحث عن قميص أو "جاكيت" فإنك تمر على المحلات محلاً، محلاً دون كلل ولا تعب، تتفحص القطعة جيداً، تقلبها يميناً وشمالاً تبحث عن أي خلل تصنيعي يمنعك من شرائها، تعرضها على المرآة مرة تلو مرة، تصورها في "وتس أب" لتأخذ رأي زوجتك أو صديقك، وبعد أن تشتريها تهرول إلى بيتك لتعيد لبسها ثم حفظها في مخزن ثيابك، ثم تتحين الفرصة المناسبة لتزهو بها أمام الناس حتى لو كانت حالة الطقس لا تتناسب مع طبيعة الثياب الجديدة... لكن هناك ما يعكر صفو دورة شراء وقراءة الكتاب، وهو وجود الأصدقاء "الأعداء" الذين يحاولون تشويش متعة التسوق في هذا العرس الثقافي العظيم..

هناك الصديق الذي تحاول تجنب مصاحبته في المعرض بسبب تجاربك السيئة السابقة معه، فرغم أنك طلبت منه مراراً أن يتوقف عن ممارسة وصايته الفكرية على مخيلتك واختياراتك من الكتب ودور النشر، إلا أنه يظن أنك قد قلت نكتة وأنك لا تقصد تماماً ما قلته له، فيكون أول من يتصل بك قبل حلول موعد المعرض بشهر حتى يرتب جدول الضحايا حسب قيمة الغنيمة، فيؤكد حضوره معك في أيام معينة، ويؤكد حضوره مع ضحايا آخرين في أيام أخرى، وبذلك يتأكد تماماً أنه يمارس الوصاية على أحدٍ ما طوال أيام المعرض..

الطريف أن هذا الشخص يبحث عمن يأخذه بالسيارة لأنه لا يعرف أين تقع إمارة الشارقة، وفي أحد المرات أخطأت خطأً فادحاً وجعلته -بطريقة ماكرة- يأخذني بسيارته من المعرض إلى الفندق، في تلك اللحظة أصابه "وحام" الكباب، وقرر أن يدعوني للعشاء على مشارف بحيرة خالد التي لم يزرها منذ 15 سنة، بعد تناول الكباب الذي دفعت فاتورته بسبب اشتباك خيوط جيْب "كندورته" مع محفظته وقت حضور الفاتورة، وبعد أن وضع الطعام المتبقي في أكياس شفافة ليستكمل أكلها عند وصولنا للفندق، اكتشفنا أن بطارية سيارته لا تعمل، لكن الأكثر إثارة للشفقة أنه لم يكن يعلم أين مكان البطارية في السيارة الممتلئة بكتب ينام عليها، وهو يحدث نفسه بموتة الجاحظ بين كتبه، حتى يقولوا عنه أنه شهيد الكتب التي جعل منها "مساند" و"مخدات" وأشياء أخرى، كان ينتظر من الأخت "كليلة" أو الأخ "كازانوفا" أن يقدموا له إرشادات السلامة عند حدوث الكوارث.

لن ابتعد عن الموضوع كثيراً، ودعونا نعود إلى صاحب الوصاية الفكرية، فهناك من يصحبك في رحلة المعرض ليحجب عنك نور الكتب التي كنت تنوي شراءها، أو يريدك أن تتوقف عند دور معينة فقط لأنه يعرف أصحابها أو بينه وبينهم علاقة "خصم" خاصة، هذا بخلاف الكتب التي يقذفها في أكياسك بدون علمك بعد أن يرغمك على شرائها ليأخذها منك في آخر الرحلة بدعوى أن هناك اختلاط في أنساب الأكياس! ولقد هددته بفضحه علناً إن لم يجلب لي كتاباً نسيت شراءه من المعرض بسبب حشوه لمجالي البصري بكتب لم تقع يوماً في خانة اهتماماتي.

وهناك شخص آخر يمارس نفس الوصاية لكنه أشد خطراً من الشخص الأول، هذا الشخص هو "المؤلف" حين يتواجد في الدار التي تبيع كتبه في حفلات تواقيع كتبه وكتب غيره، فلا تتفاجأ إن رأيت -وأنت تدفع قيمة كتابٍ أعجبك- صوتاً من بعيد يعتب عليك أنك لم تضف كتابه إلى قائمة مشترياتك، وعندما يرتد إليك طرفك فإنه يكون قد وقع على الكتاب ووضعه في الكيس بجانب "الكاشير"، وعندما تجامله بسؤاله عن كتبه الأخرى فإنك تتفاجأ بها وهي تترامى عليك من كل حدب وصوب بدون أن تطلب منه ذلك، وهكذا يصبح هذا الكتاب فجأة "أكثر الكتب مبيعاً" دون إضافة كلمة "بالإكراه"، مما يدفع مؤلفه إلى شحذ همته من جديد لكتابة كتاب جديد بعد نفاد كتبه في المعرض بعد الإقبال الجماهيري منقطع النظير!

على كل حال، لا يخلو المعرض من لفتات إيجابية عظيمة في صالح الثقافة والعلم، أقلها أنك لم تعد ترى من يسرق بطاقات "بنك المعلومات" كما كان يحدث في السابق.