الخميس 1 ديسمبر 2016 / 17:54

تواصل الحياة عملها في هذه البلاد

ستسمح الحملة بتغطية فضيحة الفشل في السيطرة على الحرائق من جهة، وتعزيز الفاشية في اسرائيل من جهة ثانية، وسيمنح نيتنياهو وقتا اضافيا لإشغال الرأي العام

أستيقظ منذ أسبوعين على أنباء الحرائق، أنصت بقلق للرياح الشرقية التي وصلت مبكرة هذا العام، وهي تواصل تجفيف الهواء فوق التلال وتصفر في الوديان القريبة وفي الكهوف التي اهتدت اليها الثعالب بين الصخور، منذ أن أزال العمال حرش البلوط الصغير في السفح المقابل لترتفع بناية بسبعة أدوار، لم تعد الثعالب الفضولية تصل الى الحافة.
الثعلب النشيط المتوتر، الذي كان يواصل قطع الشارع الفرعي الموازي لجامعة "بيرزيت"، الذي كان إحدى إشارات الطريق إلى "كوبر" لم يظهر منذ مدة، أين تذهب الثعالب عندما تهب "الشرقية" التي تجعل الهواء هشاً ويابساً!

أتتبع النار التي تندفع في الأحراش وأحصي الأشجار الهالكة، أفكر بحرش "جيبيا"، حيث كنا نقضي ساعات، المساء غالباً، حسين البرغوثي وأنا ونحن ننتظر مرور الغزلان من السهل وظلالها القلقة من السهل المنبسط بين التلال، قبل أن نعبر الطريق الذي يقطع قرية جيبيا ونتمهل قبل أن نطل قبل الدوار على حديقة "سليمان النجّاب".
هناك دفن سليمان الظبي الصغير الذي وجده صدفة في الحرش ورعاه مثل ابن، أتذكر قصيدة محمود درويش التي رثا فيها سليمان النجاب والغزالة، "رجل وخشف في الحديقة":

" (....)
بعد شهرٍ زُرْتُهُ في بيته الريفيّ.
كان كلامُهُ يبكي. لأول مرّةٍ يبكي سُلَيْمانُ
القويُّ، يقول لي متهدِّج الصوت: ((اُبن
الغزال، ابنُ الغزالة مات بين يديَّ.
لم يألف حياةَ البيت. لكنْ لم يَمُتْ
مثلى ومثلكَ...))

نام في قبر الغزال، وصار لي
ماضٍ صغيرٌ في المكانْ:
رَجُلٌ وخِشْفٌ في الحديقة يرقدانْ!".

نحو الشمال تحترق أشجار في السفوح المحيطة ب "النبي صالح"، الحرش الذي يبدو من "كوبر" كقبعة مشعثة مائلة على التل يبدو مهددا، وستصل النار في الليل الى مستوطنة "حلميش" التي ظهرتفي العام 1977 مثل أفعى هائلة واصلت زحفها في اراضي وكروم قرى "دير نظام" و "النبي صالح" والأحراش الحرجية الشاسعة ل"أم صفا".

فرق المطافئ الفلسطينية وصلت حيفا وباشرت إطفاء الحرائق التي اندفعت في "الكرمل"، بينما في "بلعين" واصل أهالي القرية والمتضامنون، بما فيهم أجانب وإسرائيليين، الاحتجاج على الجدار والاحتلال وسرقة الأراضي وفاشية "المستوطنين"، وبين وقت وآخر يمكن سماع صفارات سيارات الإسعاف وهي تندفع بحمولاتها من المصابين بسبب الرصاص المطاطي والحي وقنابل الغاز التي يطلقها جنود الاحتلال ودوريات "حرس الحدود" و"المستوطنين".

تصل أنباء عن تجدد التوتر في "مخيم بلاطة" وتوقعات باقتحام "الأمن الفلسطيني" للمخيم لاعتقال "مطلوبين مسلحين"، في رام الله يتداول رقم 714 مرشحاً للمجلس الثوري في مؤتمر فتح السابع من أصل ما يقارب 1400 مندوب، بمعدل عضو مجلس ثوري لكل مندوب 1/1.

اليمين والوسط في إسرائيل يتهمون الفلسطينيين بإشعال الحرائق، وفي حيفا وجدوا بقايا نرجيلة في حرش محروق. "نيفتالي بينيت" وزير التعليم الاسرائيلي يتهم الفلسطينيين بإشعال الحرائق في الصباح وارسال سيارات الإطفاء في الليل"، لا تشعلوا الحرائق ولا ترسلوا سيارات الاطفاء، يقول " بينيت "، ستسمح تلك الحملة بتغطية فضيحة الفشل في السيطرة على الحرائق من جهة، وتعزيز الفاشية في اسرائيل من جهة ثانية، وسيمنح نيتنياهو وقتاً إضافياً لإشغال الرأي العام بعيداً عن شبهة الفساد التي تطارده في صفقة الغواصات الألمانية أو " الفضيحة المسماة "منازل نتانياهو"، لهذا خلق الله الفلسطينيين، لتوفير سلم النجاة لفساد السياسيين في "اسرائيل".

يقول الفلسطينيون: نحن لا نحرق أشجارنا.

الفلسطينيون يعرفون أن "المستوطنين" يسممون مياه الينابيع والآبار في الضفة الغربية ويواصلون إحراق الكروم والبيوت وساكنيها، ولكنهم لا يصرخون بنفس طريقة وزير التعليم الاسرائيلي "بينيت" أو وزيرة الثقافة "ميري ريغيف" القادمة من أصول مغاربية ولا تتوقف عن زيارة الأولياء اليهود في المغرب، والتي لم تستطع احتمال الاستماع لقصيدة محمود درويش "سجل أنا عربي".

يقولون ببساطة: نحن لا نحرق أشجارنا.
تواصل الحياة عملها في هذه البلاد بينما أصعد في الطريق الضيق الساحر من "برهام" الى "جيبيا" تقودني القصيدة :

رَجُلٌ وخِشْفٌ في الحديقة يلعبان معاً....
أقولُ لصاحبي: مِنْ أين جاءَ اُبْنُ الغزالِ؟
يقولُ: جاء من السماء. لعلَّهُ ((يَحْيَى))
رُزِقْتُ به ليُؤْنِسَ وحشتي. لا أُمَّ
تُرْضعُهُ فكُنْتُ الأمَّ, أسقيهِ حليبَ
الشاة ممزوجاً بملعَقَةٍ منَ العَسَلِ
المُعَطَّر. ثم أحملُهُ كغيمَةِ عاشقٍ في
غابة البلّوطِ...