الأحد 4 ديسمبر 2016 / 20:09

درس في التواضع والأخلاق

لا تني دولةُ الإمارات العربية تُدهشنا كل يوم بمدى احترامها لقيمة الإنسان، بصرف النظر عن عِرقه وعقيدته وطبقته ونوعه

مشهد خاطف. لم يستغرق أكثر من ثانية واحدة على مقياس الزمن. لكنه ربما يعيد تشكيل التركيب النفسي والفكري لمجموعة من الشباب، وربما لكل مَن يشاهد هذه اللمحة المختلسة من التاريخ، وبالتأكيد سوف يبدّل حياة تلك الفتاة: بطلة المشهد.

في أحد الأماكن العامة التي كان يتفقّدها الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، وحاكم إمارة دبيّ، أسرعت فتاةٌ كانت تسير مع رفيقاتها وسبقت موكب الشيخ محمد بن راشد، بخطوات كثيرة، ثم رفعت هاتفها الجوال لتلتقط لنفسها صورة سيلفي، بحيث يظهر في خلفيتها البعيدة الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم لبرهة خاطفة بينما يسير مع موكبه، ولا ينتبه للصورة. لكن ما حدث أنه انتبه، فماذا فعل؟ اقترب من كادر الصورة وهو يبتسم ابتسامة أبٍ كريم حانٍ، ليظهر وجهه بوضوح جوار تلك الشابّة، على نهج ما نفعل ونحن نمازح أصدقاءنا حين يلتقطون صوراً شخصية لهم فندخل بغتة في إطار صورهم كنوع من المداعبة المشاكِسة. ثم رفع بأصابعه علامة النصر، ومضى إلى جولته يُكملها. أشرق وجهُ الفتاة بالبشر والفرح، وهي ترى وجه الشيخ محمد بن راشد واضحاً إلى جوار وجهها، وناظراً معها إلى العدسة. ولم تكن تطمح في غير أن يظهر من بعيد وهو سائرٌ لا ينظر إليها. ولنا أن نتخيّل ماذا سيمثّل مقطع الفيديو الخاطف هذا في حياة تلك الشابّة ورفقائها وكل من يشاهد هذا المقطع على يوتيوب وصفحات التواصل الاجتماعي.

هنا درسٌ مثقف وواع في تواضع الكبار وخفّة ظلّهم وتباسطهم في تعاملهم برقيّ وتحضّر مع الرعية التي ائتمنهم اللهُ عليها، ليس فقط في تنظيم الحياة الاقتصادية والسياسية في بلادهم، إنما، وهو الأهم، في إنضاج وعيهم والمحافظة على صحتهم النفسية والروحية. هذا هو "الاستثمار في البشر" الذي تكلّم عنه خالد الذكر الشيخ زايد رحمه الله، واستنّه نهجاً حاسماً تسير عليه دولةُ الإمارات العربية المتحدة على مدى خمسة وأربعين عاماً منذ نشأتها واتحادها. ولهذا لا نندهش أن تُدشّن تلك الدولة الجميلة وزارة للسعادة ووزارة للتسامح، وظيفتهما تكريس السلام والمحبة والصحة النفسية والروحية لدى أبناء الإمارات من المواطنين والوافدين. والحقّ أن أبناء زايد، حكّام الإمارات الراهنين على تعاقبهم، لهم مواقف يومية لا تُعدّ ولا تُحصى في هذا الشأن؛ تكرّس فكرة البساطة ومحاورة أبناء الشعب الإماراتي خصوصاً البسطاء منهم، من أجل تنشئة أجيال سليمة الروح تمتلك الثقة في النفس، والثقة في صنّاع قرارها. شاهدنا أبناء الشيخ زايد يجلسون على الأرصفة جوار بسطاء الناس، ويساعدون ذوي الاحتياجات الخاصة بأنفسهم، في رسالة ناصعة يقول لسان حالها: إن الملوك ليسوا من طينة غير طينة المواطنين والبسطاء والسابلة، إنما هم، وحسب، قائمون على شؤونهم بوصفهم جنوداً جنّدهم اللهُ لحماية الرعية والحفاظ عليها. وهذا مبدأ إسلامي يُعدّ حجر الزاوية في عقيدتنا. "من تواضع لله رفعه". لهذا يرفعهم اللهُ ويُعلي شأن بلادهم، يوماً بعد يوم. ورغم أنه مبدأ إسلامي مكين، إلا أننا، بكل أسف، لا نلمسه إلا لدى حكّام الغرب الذين يتريّضون مع المواطنين ويمازحونهم ويتجولون بينهم دون حراسات مشدّدة ولا مواكب حاشدة من تلك التي نراها في مواكب رؤسائنا العرب. ذلك الفكر الأوروبي لا نكاد نراه في "الكود العربي" في التفكير الذي يضعُ الحاكمَ في درجة شديدة البعد شاسعة البون عن الشعب، فتحدث الفجوة بين الحاكم والمحكوم ويفقد المحكومُ، مع الوقت، شعوره بالآدمية واستحقاق الحياة.

لا تني دولة الإمارات العربية تُدهشنا كل يوم بمدى احترامها لقيمة الإنسان، بصرف النظر عن عِرقه وعقيدته وطبقته ونوعه. تُدهشنا باحترامها للمرأة، برعاية الشيخة فاطمة بنت مبارك، التي تسير على نهج الشيخ زايد حين قال: "إن ما حققته المرأة في دولة الإمارات العربية المتحدة في فترة وجيزة، يجعلني سعيداً ومطمئناً بأن ما غرسناه بالأمس بدأ اليوم يؤتي ثماره، ونحمد الله أن دور المرأة في المجتمع بدأ يبرز ويتحقق لما فيه خير أجيالنا الحالية والقادمة"، فجعلتها رئيسة برلمان ووزيرة في وزارات سيادية وسفيرة دولية وديبلوماسية في مناصب قيادية رفيعة، وطيارة تقود الطائرات وراقصة باليه تجول بين الزهور كما الفرشات.

في العيد الوطني الخامس والأربعين لدولة الإمارات العربية المتحدة، ننثرُ على جبين تلك الدولة النموذج، خمساً وأربعين زهرة استحقاقٍ وتقدير.