أحد مدراء فولكس فاغن مارتن وينتركورن يعاين سيارة بورش (أرشيف / اي بي ايه)
أحد مدراء فولكس فاغن مارتن وينتركورن يعاين سيارة بورش (أرشيف / اي بي ايه)
الجمعة 30 ديسمبر 2016 / 12:39

فولكس فاغن تسعى بقوة للخروج من شبح الماضي بعد فضيحة العوادم

لا تزال فولكس فاغن تسير على حبل مشدود. فمن ناحية ترغب فولكس فاغن الألمانية، أكبر منتج للسيارات في أوروبا، المضي قدماً في طريق تطوير تكنولوجيا السيارات الكهربائية والتقنيات الرقمية لصناعة السيارات والخدمات.

ومن ناحية أخرى ما زالت المجموعة الألمانية التي تنتج عدداً كبيراً من العلامات التجارية المهمة في صناعة السيارات تواجه تداعيات فضيحة تلاعبها في نتائج اختبارات معدل عوادم سياراتها التي تعمل بمحركات ديزل (سولار) والتي كلفتها مليارات الدولارات ووضعتها رهن التحقيقات الجنائية وأفقدتها ثقة العملاء.

وفي أحدث تسوية أقرها القاضي الأمريكي تشارلز برير للدعاوى ذات الصلة بفضيحة العوادم وافقت المجموعة الألمانية على تعويض أصحاب حوالي 80 ألف سيارة مزودة بمحركات ديزل سعة 3 لترات وذلك بعد تسوية سابقة مع أصحاب الملايين من السيارات ذات السعة اللترية الأقل.

لكن الصورة العامة تشير إلى أن إمبراطورية السيارات الألمانية التي كانت في وقت من الأوقات فائقة النجاح، تواجه الآن حاجة ملحة إلى عملية إعادة هيكلة شاملة.

وفي السنة الثالثة لأزمة العوادم التي بدأت منذ عامين، تعتزم إدارة فولكس فاغن إطلاق حملة "استراتيجية معاً 2025"، التي تستهدف جعل "فولكس فاغن جديدة أفضل"، حيث سيكون هناك درجة أقل من التسلسل الهرمي والطاعة العمياء للمستويات الإدارية الأعلى. وبدلاً من ذلك سيكون هناك قدراً أعلى من النقد الذاتي والشفافية.

وبعد استقالة رئيس مجلس الإدارة السابق مارتن فينتركورن في سبتمبر (أيلول) 2015 بعد الاعتراف بفضيحة التلاعب في اختبارات العوادم، كان عدد قليل من المراقبين لديهم انطباع بأن نهج "تغيير ثقافة" فولكس فاغن الذي تبناه خليفته ماتياس موللر سار بقدر كبير من التردد حتى الآن.
ولم يكن الرئيس الجديد للشركة موفقاً عندما تحدث في مقابلة إذاعية في الولايات المتحدة مطلع العام الحالي وحاول تصوير فضيحة التلاعب في نتائج اختبارات العوادم باعتبارها مشكلة "فنية"، وهو ما قلص الآمال في حدوث تغيير حقيقي في ثقافة المجموعة الموجود مقر رئاستها في مدينة فولفسبورغ الألمانية.

لكن الصورة الآن تبدو مختلفة عما كانت عليه قبل حوالي 12 شهراً، في ظل الانفتاح الحالي على النقد الذاتي وإتاحة الفرصة للأشخاص العاديين لإبداء ملاحظاتهم على عمل المجموعة.

ويقول موللر "بقدر ما كانت ومازالت الأزمة مؤلمة، فقد أيقظتنا وأدت إلى زيادة تركيزنا على متطلبات المستقبل".

وما تعنيه هذه المتطلبات هو أنه سيكون على فولكس فاغن أن تصبح أقل حجماً إذا ما أرادت القدرة على تحمل استثمارات بمليارات اليورو في مجالات مثل السيارات الكهربائية وتطوير بطاريات جديدة وأنظمة القيادة الذاتية وتقديم خدمات جديدة للعملاء. فمازال هيكل الشركة في أماكن عديدة معقداً ومربكاً ومكلفاً. كما تحتاج القدرة النسبية للعلامة التجارية للمجموعة على تحقيق أرباح إلى زيادتها وتعزيزها.

وبالطبع فالوصول إلى هذه الأهداف والمتطلبات لن يكون بلا ألم.

وتقضي "حزمة المستقبل" التي اتفق عليها رئيس مجلس العمال (النقابة العمالية) برند أوسترلوه مع المسؤول عن سيارات الركاب التي تحمل العلامة التجارية لفولكس فاغن هربرت دايس بضرورة خفض النفقات. وبحلول 2025 سيتم تقليص عدد عمال الشركة بحوالي 23 ألف وظيفة في ألمانيا و30 ألف عامل في مختلف أنحاء العالم.

هنا يأتي دور فضيحة العوادم، فحتى بدون هذه الفضيحة كانت فولكس فاغن تحتاج إلى إصلاح هيكلها الوظيفي المتضخم. لكن التكاليف الضخمة لهذه الفضيحة التي بلغت 16.5 مليار دولار في أول تسوية لها في الولايات المتحدة، إلى جانب خسائر قياسية قدرها 1.58 مليار يورو (1.65 مليار دولار) عام 2015، أدت إلى تقليص المساحة المالية المتاحة للمناورة.

ومن المتوقع استمرار تداعيات فضيحة العوادم خلال 2017 وما بعده. كما تستمر عملية استدعاء السيارات المعيبة لإصلاحها. ولم تقدم شركة "جونز داي" للخدمات القانونية والتي تجري تحقيقاً داخلياً في فولكس فاغن بشأن الفضيحة تقريرها النهائي حتى الآن. والحقيقة أن الأمر سيتوقف على الطريقة التي ستتعامل بها السلطات الأمريكية وبخاصة في ظل إدارة الرئيس المنتخب دونالد ترامب مع فولكس فاغن في المستقبل.

وإلى جانب الدعاوى القضائية التي أقامها المستثمرون ودعاوى التعويضات التي أقامها مشترو سيارات فولكس فاغن، تواجه المجموعة الألمانية تحقيقات جنائية بشأن الفضيحة سواء في الولايات المتحدة أو في أوروبا. وتتركز التحقيقات في الولايات المتحدة على الاشتباه في تورط الإدارة في طمس الأدلة الخاصة بالقضية، وفي ألمانيا على احتمال الاحتيال والتلاعب بالأسواق. ويخضع للتحقيقات الجنائية الرئيس التنفيذي السابق فينتركورن والمدير المالي السابق وعضو مجلس الإشراف حالياً هانز دايتر بويتش.

السؤال الآن هو هل هذه الظروف مناسبة لبداية جديدة ناجحة للمجموعة.

فالشكوك ما زالت قائمة حول مدى قدرة الشركة على تحقيق هدفها "فولكس فاغن جديدة أفضل" تحت رئاسة بويتش الذي ارتبط بعلاقة وثيقة وطويلة مع فينتركورن في المجموعة.

وقبل كل شيء فإن مجال السيارات الكهربائية يظل مجالاً صعباً بالنسبة للشركة. فحتى مع الحوافز التي قدمتها فولكس فاغن للعملاء في الصيف الماضي، مازال الطلب على سياراتها يتراجع. وتريد فولكس فاغن طرح العديد من السيارات الكهربائية في الأسواق، لكن السؤال يتعلق بهوية الشخص الذي سيكون مسؤولاً عن هذه المهمة. في الوقت نفسه فإن فروع فولكس فاغن الطموحة مثل أودي وبورشه تؤكد أحقيتها في لعب دور قيادي في تطوير تقنيات المستقبل.

ومع دخول عام 2017، لم يتضح ما إذا كانت فولكس فاغن تمضي في طريقها الجديد بنجاح، أو أنها ستتعثر مجدداً نتيجة وجود قدر من الغيرة بين المديرين والمهندسين.

وتعترف مجلة "شيفت" الناطقة باسم فولكس فاغن بأنهم يعرفون "أن هناك بعض الشكوك لدى العامة... لذلك فما زال أمامنا الكثير من العمل لننجزه لكي نقنع أكبر عدد ممكن من العملاء بأن فولكس فاغن جادة بشأن توضيح كل الأمور".