رسم تعبيري.(أرشيف)
رسم تعبيري.(أرشيف)
الأحد 8 يناير 2017 / 19:19

الإصلاح: الصاد وأخواتها

شعار "وما أهديكم إلا سبيل الرشاد" أنتج لنا مكتب الإرشاد، وشعار "إن أريد إلا الإصلاح" أنتج لنا جمعية الإصلاح، وشعار الإخراج "من الظلمات إلى النور" أنتج حزب النور

لا شك أن الإصلاح مقصد وغاية، وهي كلمة رنانة، مبهرة، مثيرة، جاذبة، ناجحة في جمع الحشود، مؤثرة في تكوين الاتجاهات، وربما تكون في نهاية الأمر أداة جيدة لإثارة الفتن والاضطرابات، وفي منتهاه قد تكون هي الفساد السريع.

لقد درج منظرو الإسلام السياسي، ومفتو التشدد، ومفكرو التطرف على استخدام ألفاظ براقة، مستمدة من الخطاب الديني، ومستندة على فهمهم الخاص، فشعار "وما أهديكم إلا سبيل الرشاد" أنتج لنا مكتب الإرشاد، وشعار "إن أريد إلا الإصلاح" أنتج لنا جمعية الإصلاح، وشعار الإخراج "من الظلمات إلى النور" أنتج حزب النور.

وهكذا لعب الوقوف عند ألفاظ التراث الديني دوره الفاعل في إنتاج حركات وأحزاب وجماعات وجمعيات تقف عند اللفظ ولا تتعمق في الفهم الصحيح للدين، فقد أخذت من الدين لفظه، وألبسته من الفهم لبوس العصور الأولى، تقديسًا لمؤلفات ومصنفات، واتباعاً لمصنفين ومؤلفين، عدوهم مرجعيات لازمة ملزمة، فأخذوا بالإلزام لغيرهم، ومن عجب أنهم أحيانًا تركوا الالتزام.

قادتهم شهوة إلزام البشر إلى الوصاية على المجتمع، وممارسة دور الرقيب والمشرع والمفتي والمفسر، ليقدموا للإسلام الصورة التي يريدون، لا يبتغون لها بدلاً، ولا يسمحون للدين الحق أن يظهر أجمل ما فيه: يسره، وصلاحيته لكل زمان ومكان.

مقاومة هذه الوصاية على المجتمع أمر ليس مسموحاً به ممن نصبوا أنفسهم رايات للإصلاح. فأعداؤهم هم أصحاب العقول المفكرة، والأعين المستبصرة، والآذان المنفتحة، والأقلام الناقدة، وعندها يبدأ مسلسل آخر هو مسلسل التصنيف، فالمجتمع عندهم لا يقبل التنوع، وغير مسموح فيه سوى باللون الأسود والأبيض، لا ألوان، ولا ابتهاج.

والتصنيف هو الخطوة الأولى نحو الإقصاء، وإذا ما حدث هذا، فلا تسل عن مجتمع المعرفة، ولا عن سيادة الفكر، فالتجهيل هو مصير المجتمعات التي تسمح لفئة ما أن تمارس وصايتها على المجموع، وتصنف الجموع، وتقصي من تشاء بأي سبب تراه، بل إنها تتجرأ بأن تطالب بإقصاء رموز الفكر من الحديث عن الأخلاق، وكأن الأخلاق علامة تجارية مسجلة باسمهم.

إن خطورة هذا النهج الذي جمع الصاد وأخواتها، بدءاً من ادعاء الإصلاح، فالوصاية، ثم التصنيف، وأخيراً الإقصاء، هو نهج يرفضه مجتمع الإمارات المتسامح وليس عجباً أن يبشر سمو الشيخ عبد الله بن زايد جمعية الإصلاح الجديدة بنهاية شبيهة بنهاية أختها.