جثامين الشهداء الإماراتيين الذين قتلوا في أفغانستان، لدى وصولها إلى الإمارات.(أرشيف)
جثامين الشهداء الإماراتيين الذين قتلوا في أفغانستان، لدى وصولها إلى الإمارات.(أرشيف)
الثلاثاء 17 يناير 2017 / 19:43

فرسان الإمارات.. شهداء الإنسانية

طوبى لدولة الإمارات التي لا تدّخر جهدًا لنشر قيم المحبّة والسلام وإعلاء راية التسامح بين بني الإنسان في كل مكان من أرجاء العالم، دون النظر إلى عقائدهم أو أعراقهم أو أجناسهم وألوانهم وطبقاتهم الاجتماعية

يُحكى أن فارساً كان يسيرُ بحصانه في الصحراء متوجّهاً إلى الحضر. صادفَ في طريقه شخصاً مُنهكاً يتعثّرُ في أسماله تبدو عليه سيماءُ الهُزال والظمأ. توقّف الفارسُ وترجّل عن فرسِه وأعطى الملهوفَ شربةً ماء حتى ارتوى، وأطعمه من زادِه حتى شبع، ثم سأله عن وُجهتِه، وعرض عليه أن يوصله على دابّته. أركبَ الفارسُ رفيقَ الطريق على حصانه وسار إلى جواره على قدميه. فما لبث أن همزَ الفقيرُ مِهمازَه في خِصر الحصان، فانطلق الفرسُ يجري تاركًا صاحبَه الفارسَ وحيداً في الصحراء. هتف الفارسُ في اللصَّ وهو يبتعد بحصانه قائلا: "لك الحصانُ أيها الطيب، ولكن بحقّ الله لا تُخبرُ أحداً عن قصّتنا". نظر اللصُّ إلى الوراء في عيني الفارس وقال ضاحكاً: "أتخافُ أن يُعيّركَ العربُ على غفلتِك؟"، فأجاب الفارسُ النبيلُ: "كلا. بل أخاف أن تختفي الشهامةُ من العرب، إن عرفوا أن جزاء الإحسان ليس الإحسان".

وتتكرّرُ الواقعةُ الأليمةُ كلَّ يومٍ في هذا العالم المشحون بالشرور والآثام وردّ الإحسانِ بالإساءة، ومقابلة النبل بإهراق الدم وتثكيل الإمهات وتيتيم الأطفال.

اليومَ، الأعلامُ في دولة الإمارات مُنكّسةٌ على صواريها. الأعلامُ ترفضُ أن ترفرفَ مع نسائمُ الشتاء. الأعلامُ حزينةٌ، والطرقاتُ في تلك الدولة الطيبة حزينةٌ، والناسُ هناك حَزنَى، والبيوتُ متّشحةٌ بلون الحداد. لأن أرواحاً طيبةً نظيفة قطعتِ الأميالَ والبحار والصحارى من أجل نثر السلام والخير في أوطان مأزومة، فقوبلت بالعنف والقتل على يد أرباب العنف خصوم السلام خصوم الإنسان. خمسةُ نبلاء من أبناء الإمارات ذهبوا إلى أفغانستان لنشر الخير والجمال والتحضّر في تلك الدولة الملغومة بالويل بين أبناء الشعب الأفغاني المأزوم بالإرهاب. سافروا ضمن وفد إماراتي لتنفيذ مشروعات تنموية في مجالات الإنسانيات والتعليم والصحّة، فاستقبلهم الإرهابيون هناك بقنابل التفجير، حتى قضى النبلاءُ نحبهم وصعدت أرواحهم إلى بارئها شهداءَ تُقاةً يستقبلون الفردوس بقلوب تحمل الحبَّ وأياد تحمل الخير لأولي البشر. أولئك لا يُحزَنُ عليهم، إنما يُحزَن من أجل خسارتهم. أولئك يُفخَرُ بهم أحياءً، مثلما يُفخَر بهم شهداءَ أبراراً قدّموا حياتهم من أجل خير الوطن، ومن أجل الآخر الإنساني.

وفدٌ كريمٌ أرسلته دولة الإمارات العربية المتحدة لزرع الخير والرخاء في دولة أفغانستان الغارقة في ظلام التكفير والإرهاب والويل، تلقّوا بصدورهم العزلاء المسالمة قنابل آثمة أودت بأعمارهم الشابّة قبل أيام في مقرّ محافظة قندهار.

محمد البستكي، عبد الله الكعبي، أحمد المزروعي، أحمد الطنيجي، وعبد الحميد الحمادي، فرسانٌ نبلاء من دولة الإمارات، وشهداء الإنسانية والسموّ، طوبى لهم مُكلّلين بأكاليل الشهادة، وطوبى لأهلهم الذين يتجرّعون الألم الآن متوّجين بالمجد. ثم طوبى لدولة الإمارات التي لا تدّخر جهداً لنشر قيم المحبّة والسلام وإعلاء راية التسامح بين بني الإنسان في كل مكان من أرجاء العالم، دون النظر إلى عقائدهم أو أعراقهم أو أجناسهم وألوانهم وطبقاتهم الاجتماعية.

رحم اللهُ شهداءَ النبل والإنسانية في دولة الإمارات النبيلة، ورحم شهداء مصر الطيبة، من جنودنا البواسل في العريش بشمال سيناء، الذين لاقوا ربهم كذلك وهم يؤدون واجبهم النبيل في حماية أمن الوطن، إثر انفجار كمين أعلنت داعش الآثمة عن مسؤوليتها في إزهاق أرواحهم الطيبة بالأمس. أحسن اللهُ عزاءنا وعزاء ذويهم أجمعين.