باراك أوباما (أرشيف)
باراك أوباما (أرشيف)
الأربعاء 18 يناير 2017 / 13:54

باراك أوباما.. 8 سنوات "عادية" لآخر "الرؤساء المحترمين"

24 - بلال أبو كباش

تودع أمريكا رئيسها الرابع والأربعون، باراك أوباما، تاركاً إرثاً سياسياً عليه الكثير من نقاط الاستفهام، لخلفه دونالد ترامب، الذي توعد بتغيير معالم سياسة الأسبق بشكل جذري، وسط سعي جاد للتقارب مع روسيا الند والغريم السياسي التاريخي للولايات المتحدة.

باراك حسين أوباما، الرجل الأنيق والمحترم، هو الرئيس الأول ذوو الأصول الأفريقية، الذي يصل لسدة الحكم، بعد معركة انتخابية طاحنة فاز فيها على منافسه الشرس جون ماكين في عام 2009، الفترة التي شهدت تحولات سياسة قد تكون الأهم في القرن الحادي والعشرين.

نشأته
ولد أوباما في هونولولو بهاواي لأم أمريكية من أصل إنجليزي وأب كيني، تزوجا في 1961، وانفصل والداه عندما كان عمره عامين، وتطلقا في عام 1964.

التحق أوباما بكلية الحقوق بجامعة هارفارد في أواخر عام 1988، وتم اختياره كرئيس تحرير لمجلة القانون في جامعة هارفارد قبل نهاية السنة الأولى من دراسته.

تزوج من السيدة "ميشيل لافاوجن روبنسون" عام 1992، ولديه بنتان ماليا مواليد 1998، وناتاشا الملقبة بساشا مواليد 2001.

رجل مثابر
عدا عن كونه سياسياً بارعاً ومثابراً، واصل جهوده وحلمه بدءاً من المرحلة التي كرس فيها حياته لتدريس مادة القانون خلال تسعيينات القرن الماضي في جامعة شيكاغو نحو مراحل أكبر، سعى من خلالها لخطو خطوات واثقة نحو منصب الرئيس، متجنباً فشله السياسي الأول عقب محاولة بائت بالفشل في الحصول على عضوية مجلس النواب في عام 2000، متخذاً إياها نقطة تحول في حياته السياسة متطلعاً نحو هدف أكبر هو مجلس الشيوخ (الكونغرس) الأمريكي ليتمكن من تحقيق انتصار كبير غير مجرى حياته السياسة والشخصية بعد أن تمكن من حوزة المقعد في العام 2004.

أوباما والذي اقتنص النجومية بفرصة واحدة، من خلال خطاب تلفزيوني للمؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي في يوليو (تموز) 2004، لم يذع على الهواء وجذب أنظار القاصي والداني وخاصة الديمقراطيين، لم يقف هناك، فقط، بل استمر بالسعي الحثيث للوصول إلى سدة الحكم.

صراع الترشح
ومما لا شك فيه، كان قرار الترشح لمنصب الرئيس صائباً بالنسبة للرجل الذي حظي بدعم كبير، من قبل أعضاء الحزب الديمقراطي، لكن المشهد لم يخلو أبداً من منافسة جعلت فوزه بترشيح الحزب أمراً صعباً، انتهى بانتصاره، وانتزاعه ترشيح الديمقراطيين على غريمته في ذلك الوقت هيلاري كلينتون، ليبدأ في فبراير (شباط) عام 2007 خوض منافسات انتخابات الرئاسة، ليصبح بعدها أول مرشح للرئاسة من أصول سوداء، يجذب أنظار الأمريكيين حوله.

نقطة تحول
وكعادتها، تشهد الانتخابات الأمريكية، دوماً مفاجآت قد لا تكون متوقعة من قبل رسامي المشهد السياسي العالمي، ففي الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2008 استطاع أوباما أن يحقق فوزاً كبيراً على خصمه جون ماكين، لينصب رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية في يناير (كانون الثاني) 2009.

سياسة التردد
وبالرغم من بدء أوباما حياته السياسية بمنهج بعث الأمل في الشرق الأوسط، الذي يعد الأعقد سياسياً والأكثر تخبطاً في عالم مليئ بالتغيرات. إلا أن مواقفه قد اتسمت بالتبدل والتردد في أغلب الأحيان، ما جعل المشهد السياسي غير واضح في دول عدة أبرزها سوريا.
  
وخلال حملته الانتخابية تبنى أوباما آراء سياسة تخدم المصالح الإسرائيلية، إذ أشار في خطابه الأول أمام منظمة "إيباك" المؤيدة لإسرائيل إلى أن القدس ستبقى عاصمة إسرائيل، كما يجب أن تبقى موحدة، ليثير بتلك التصريحات موجة من الغضب في العالم العربي، ولكن سرعان ما تغير موقفه إلى رأي أكثر قبولاً حين قال في لقاء مع شبكة "سي أن أن" حول حق الفلسطينيين في المطالبة بالقدس بالمستقبل إن "هذا الأمر متروك للتفاوض بين طرفي الصراع" إلا أنه عاد وأكد مرة أخرى "حق إسرائيل المشروع في هذه المدينة".

أبرز القرارات السياسية
في بداية رئاسته انتقل إلى تغيير الاستراتيجية الأمريكية للحرب عن طريق زيادة عدد القوات في أفغانستان وخفضها في العراق، ليعلن في فبراير (شباط) 2009 أن القوات الأمريكية في أفغانستان سيتم دعمها بإرسال 17000 جندياً، مؤكداً أن من الضروري زيادة استقرار الوضع المتدهور في أفغانستان.

وفي الشهر ذاته أعلن أوباما أن العمليات القتالية في العراق ستنتهي في غضون 18 شهراً، قائلاً إنه بقدوم أغسطس (آب) 2010 ستنتهي المهام القتالية في العراق.

كما سعى أوباما لترسيخ سياسة خارجية أكثر انفتاحاً مع أوروبا وروسيا، والعالم العربي والإسلامي.

تقارب مع إيران
نادى أوباما في بداية أيامه السياسية بجعل العلاقات مع إيران أكثر انفتاحاً من خلال خطاب بث في مارس (آذار) من العام 2009 وجه من خلاله كلمة إلى إيران، إلا أن هذه المحاولة قوبلت بالرفض من قبل الجانب الإيراني، وبعد ذلك دخلت العلاقات مرحلة الخلاف بتصريحاته حول أعمال العنف التي وقعت في الانتخابات الرئاسية الإيرانية.

الاتفاق النووي
لكن وبعد عدة أعوام تحول المشهد ليصبح أكثر وضوحاً خاصة وبعد توقيع الاتفاق النووي الذي تم التوصل إليه في يوليو (تموز) 2015 مع طهران، بهدف منع طهران من حيازة السلاح النووي في مقابل رفع للعقوبات، والذي يعتبره الرئيس أوباما أكبر إنجاز دبلوماسي في تاريخه.

ويرى أوباما في هذا الاتفاق الذي أثار غضب إسرائيل، لكنه حصل على ترحيب بلدان العالم الأخرى، ترجمةً ملموسة لأحد المبادئ الأساسية لسياسته الخارجية: "إعطاء الحوار فرصة حتى مع أعداء الولايات المتحدة".

فشل تحقيق الوعود
قطع أوباما على نفسه عهوداً كثيره، كان أبرزها إغلاق معتقل غوانتانامو الشهير، لكن وخلال 8 سنوات مستمرة من الحكم فشل الرئيس الأمريكي في تحقيق وعده، ورغم المحاولات المتكررة، لم يتمكن من تجاوز عقبة الكونغرس. وفي بداية 2016 قدم خطوة تحدد 12 موقعاً على الأراضي الأمريكية، من شأنها استقبال المعتقلين. لكن جهوده ذهبت أدراج الرياح.

فشل ذريع بسوريا
سيطر النزاع السوري الذي أسفر عن أكثر من 300 ألف قتيل وشرد ملايين آخرين فترة طويلة على الساحة السياسة العربية والعالمية خلال الأعوام الستة الأخيرة، لكن أوباما وبكونه زعيماً لأقوى دولة في العالم لم يتمكن من تحقيق الكثير من الإنجازات على صعيد الملف السوري، لينتهي المطاف باعترافه بشكل من أشكال العجز حيال هذا الملف.

وقد شكَّك أوباما بالفكرة التي تفيد أن تقديم مزيد من الأسلحة إلى المقاتلين من شأنه أن يؤدي إلى الإطاحة بالرئيس بشار الأسد، واعترض أيضاً على الفكرة التي تؤكد أن شنَّ غارات جوية على النظام لدى استخدام أسلحة كيميائية من شأنها أن تسفر عن تأثير "حاسم".

وتقول تقارير كثيرة إن التردد في سوريا بداية الثورة، أدت إلى ما وصلت إليه الأمور الآن، كما أن عدم التدخل لحماية السوريين ساهم في شكل كبير بخروج داعش إلى العلن بهذا الشكل الفاضح من الموصل إلى الرقة السورية. 

التقارب مع كوبا
في ظل إخفاقات متكررة جعلت من سياسة أوباما محطة للسخرية في بعض الأحيان، سعى الرئيس إلى شق طريق آخر بعيداً عن الصراع الدائر في العالم العربي ليتوجه إلى أمريكا اللاتينية من خلال تقارب ملموس مع كوبا، بعد عداء استمر عشرات الأعوام.

ففي ديسمبر (كانون أول) 2014، وبعد أشهر من المفاوضات السرية، أعلن باراك أوباما عن تقارب لافت مع كوبا بعد عقود من التوتر الموروث من زمن الحرب الباردة.

وشكلت زيارته إلى كوبا بعد 15 شهراً من ذلك التاريخ منعطفاً في هذا التقارب الذي يمكن أن تكون أبعاده الاقتصادية -فرص الاستثمار للشركات الأمريكية- أفضل ضمانة.

اغتيال بن لادن
نجاح آخر قد يحسب للرجل الذي أعلن في الثاني من مايو (أيار) 2011، اغتيال زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن حيث شنَّت قوة أميركية خاصة غارةً على مقره في باكستان أسفرت عن قتله.

الصورة الأبرز لأوباما وهو يتابع التطورات مع مسؤولين آخرين كبار في "غرفة الأوضاع" ستظل الأكثر رمزية خلال ولايتيه في ذهن كثير من الأمريكيين والآخرين اللذين طالبوا دوماً بالقضاء على التنظيم المتطرف.

القرارات الداخلية
وعلى الصعيد الأمريكي انتهج أوباما سياسة إصلاحية، خاصة في ظل أزمة اقتصادية تزامنت مع وصوله للحكم، حيث عانت أمريكا في عام 2008 من ركود اقتصادي تسبب بتراجع الإيرادات وتزايد نسب البطالة بين الأمريكيين، حتى لو أن العواقب الاجتماعية لهذه الكارثة المالية ما زالت واضحة للعيان، إلا أن أوباما استطاع خفض نسب البطالة من 7.9% في عام 2009 إلى 4.7 في وقتنا الحالي.

أوباما كير
بعد معركة نيابية اتسمت بعنف نادر كانت تكلفتها باهظة على الديمقراطيين، أقر أوباما إصلاح التأمين الصحي الذي جعل منه الأولوية المطلقة لولايته الأولى في 2010.

وبفضل "قانون الرعاية بأسعار معقولة" المعروف باسم "أوباما كير"، تراجع عدد الأمريكيين الذين لا يستفيدون من تغطية صحية، من 16% في 2010 إلى 8.9% في 2016. إلا أن هذا النظام الصحي البالغ التعقيد يستفيد منه عدد من منتقديه. ووعد الجمهوريون بإلغاء هذا القانون الذي يجسد في رأيهم كل مساوئ رئاسة أوباما.

طلقة أخيرة
تعد الأهداف التي سجلها الرئيس الأميركي المنتهية ولايته في الدقيقة الأخيرة، والتي يتمثل أبرزها في فرضه عقوبات على روسيا وفي توجيه صفعة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو بشأن الاستيطان في الأراضي الفلسطينية واحدة من أكبر الإنجازات على الصعيد السياسي.

وأصبح أوباما بعد قرار الاستيطان متهم بتخليه عن إسرائيل بشكل "مخزٍ" بعد رفضه استخدام حق النقض (الفيتو) لمنع تمرير مشروع قرار لدى الأمم المتحدة يدين سياسات الاستيطان ويضع حداً لبنائها في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

كما أن عدم استخدام واشنطن الفيتو بوجه هذا القرار أمر قد يؤدي إلى تقويض العلاقات التاريخية بين أميركا وأحد حلفائها التاريخيين ممثلاً بإسرائيل، وأن هذه الخطوة من جانب أوباما تعد بمثابة "الطلقة الأخيرة" علاقات البلدين.

يترك أوباما البيت الأبيض لخلف كسر كل المحظورات قبل وصوله إلى الحكم. في السياسة، سيتغير الكثر على الأرجح كون أوباما لم يقم بالكثير، بل سعى إلى تصفير المشاكل وهو ما أضعف موقف أمريكا كثيراً أما التمدد الروسي على وجه التحديد. لكن، لعلّ أبرز ما سيفتقده البيت الأبيض والعالم في رحيله، صفة الرجل المحترم التي يُجمع عليها خصومه قبل حلفائه. ولعلّه، سيكون آخر الرؤساء المحترمين.