قوات بحرية روسية (أرشيف)
قوات بحرية روسية (أرشيف)
الإثنين 23 يناير 2017 / 15:13

قاعدة طرطوس..حصان طروادة لروسيا في الشرق الأوسط

24 - إعداد: حسين حرزالله

لم يكن الاتفاق السوري الروسي جديداً بشأن قاعدة طرطوس البحرية، رغم أن روسيا كانت ترفض مراراً اسم "قاعد" بحجة أنها تستخدمها لأغراض تقنية ولإمداد سفنها بالوقود والمؤونة فقط، وأنها لم تكن تستخدم ميناء طرطوس منذ انتهاء الاتحاد السوفيتي لأغراض عسكرية.

روسيا مهدت لقاعدة عسكرية دائمة في طرطوس منذ نشرها لصواريخ "إس-300" الأرض جوية

نفوذ وقوة غير مسبوقة لروسيا في المنطقة لتحقيق مطامع جيوسياسية واقتصادية

وبدد توقيع الاتفاق ببناء وتوسيع قاعدة عسكرية روسية دائمة في طرطوس، مزاعم روسيا السابقة، وكشف عن عزمها استعادة هيمنتها ووجودها، كما الاتحاد السوفيتي سابقاً، في منطقة الشرق الأوسط، ارتكازاً على قاعدة بحرية دائمة في البحر المتوسط، وانطلاقاً من سوريا وتحديداً "طرطوس".

مراحل الاتفاق
بدأ الحديث رسمياً بشأن قاعدة طرطوس في أكتوبر (تشرين الأول)، بعد أن ذكرت وزارة الدفاع الروسية أن موسكو تستعد لتحويل منشأة طرطوس إلى قاعدة دائمة، ولم تكشف عن الموعد الزمني حينها.

وتزامناً مع ذلك، وافق بوتين على عقد اتفاق مع دمشق لنشر قوات دائمة في سوريا، وتعزيز الوجود العسكري الروسي هناك.

يشار إلى أنه في الأسبوع الأول من أكتوبر (تشرين الأول)، أعلنت وزارة الدفاع الروسية أنها نشرت نظام صواريخ "إس-300" في قاعدتها البحرية بطرطوس في سوريا، الأمر الذي أثار استياء الغرب وأمريكا على وجه الخصوص، ولم تكن الأسباب واضحة حينها، إلا أن الخارجية الروسية بررت ذلك حينها بمزاعم أنها تحمي قواتها في سوريا، مبينة أنها تخشى من "أخطاء أمريكية" بقصف أو شن ضربات على المطارات السورية. إلا أن الأسباب الحقيقية ليست كذلك.

وفي ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وقع الرئيس بوتين أمراً رئاسياً للشروع في اتفاق مع سوريا يقضي بتوسيع قاعدة طرطوس، وتنظيم المسائل المتعلقة بتوسيع أراضي ومنشآت الأسطول الروسي في المنطقة وتطويرها، بما في ذلك بناها التحتية، ما يسمح بدخول سفن حربية روسية إلى المياه والموانئ السورية.

تصرف روسي مُطلق
وقعت موسكو ودمشق يوم الأربعاء الماضي، 18 يناير (كانون الثاني)، اتفاقية توسيع "مركز الإمداد المادي والتقني" التابع للأسطول الحربي الروسي في طرطوس، وذلك لمدة 49 عاماً.

ويضمن الاتفاق تمديداً آلياً بعد انقضاء المدة، لما لا يقل عن 25 عاماً آخرين.

وتنص الاتفاقية، التي دخلت حيز التنفيذ قبل مصادقة البرلمان الروسي عليها بشكل نهائي، على تولي روسيا حماية قاعدة طرطوس بحراً وجواً، في حين تؤمن سوريا الدفاع عنها براً.

وتهدف روسيا بحسب وكالة "نوفوستي" ونقلاً عن النائب الأول لرئيس الشؤون الدولية في مجلس الدوما دميتري نوفيكوف، إلى الإبقاء على 11 سفينة حربية روسية بشكل دائم في طرطوس، تشمل حاملات الطائرات والطرادات وسفن الإنزال والغواصات الحربية والنووية كذلك.

وبموجب الاتفاق، يكون لروسيا كامل الحرية والتصرف غير المشروط في القاعدة والمياه الإقليمية السورية المحيطة بها، دون الرجوع إلى دمشق، التي لا يحق لها الاعتراض أو مقاضاة روسيا على أنشطتها، بل وتضمن سوريا "الدفاع دبلوماسياً" عن أية مشاكل قد تسببها القاعدة الروسية في المنطقة.

ويحظر دخول أية جهات أو قوات سورية إلى القاعدة دون إذن مسبق، ويتمتع العاملين بها والقوات الروسية المتواجدة وكافة الأملاك داخلها بحصانة كاملة، ولا تخضع للقوانين السورية.

مطامع روسيا
ومن البديهي، أن وجود قاعدة بحرية روسية في البحر المتوسط سيؤدي إلى زيادة عدد سفنها في المنطقة، وبالتالي تضاعف القوة العسكرية لروسيا في الشرق الأوسط والبحر المتوسط، ما يعني قدرتها على حماية مصالحها وتوسيع نفوذها.

وحول الأهداف الروسية من توسيع قاعدة عسكرية في طرطوس، قال رئيس هيئة الأركان للأسطول الحربي الروسي الأميرال فيكتور كرافتشينكو، إنه إضافة للأهداف العسكرية المباشرة للقاعد الجديدة في سوريا، فإن روسيا تسعى لتحقيق أهداف جيوسياسية، وضمان تعزيز الوجود العسكري الروسي في المنطقة.

وأوضح أن قاعدة عسكرية بحرية في طرطوس، تعني إنشاء بنية تحتية كاملة، وإنشاء منظومة متكاملة للتحكم، ومنظومة حراسة، ما يستوجب توفير عنصري الدفاع الجوي والدفاع المضاد للغواصات، مضيفاً "لم يكن إرسال بطارية (إس-300) إلى هناك عديم السبب".

وإضافة إلى ذلك، ستنشر روسيا قوات برية في القاعدة، وعدد من المشاة لا بأس به.

ولعل أهم الأسباب التي دفعت روسيا لتوسيع قاعدتها العسكرية، خطتها لاستعادة نفوذها وتشكيل صورة لها كـ"قوة عظمى" في المنطقة، وذلك تحقيقاً لمكاسب اقتصادية وسياسية، فضلاً عن الحد من النفوذ الغربي. وهذا ما عزم عليه بوتين منذ توليه منصبه، باستعادة "عظمة روسيا"، رافضاً "الموروث الخاطئ" للاتحاد السوفيتي، الذي أدى لتراجع بلاده عن مكانتها كلاعب إقليمي مهيمن.

تقدم روسي في المنطقة
وفي تصريح سبق إعلان توقيع الاتفاق السوري الروسي بشأن قاعدة طرطوس بعدة أيام، قال رئيس العمليات البحرية الأدميرال الأمريكي جون ريتشاردسون، "إن فترة الـ25 عاماً من الهيمنة الأمريكية المطلقة في عرض البحر قد ولت الآن، وقد حققت روسيا والصين تقدماً عسكرياً وإمكانات هائلة".

وهذه إشارة واضحة من قائد عسكري أمريكي، إلى أن القوات الأمريكية تراجعت بالفعل أمام القوات الروسية في منطقة البحر المتوسط، وأن المنطقة أصبحت تحت حماية القوات البحرية الروسية، وأضاف ريتشاردسون "البحرية الروسية تعمل على وتيرة لم نشهدها منذ أكثر من عقدين من الزمن".

تاريخ الاتفاق
تعتبر قاعدة طرطوس البحرية هي واحدة من عدة قواعد بحرية نشر الاتحاد السوفيتي فيها قطعاً من أسطوله البحري، ومع أن روسيا ظلت تسيطر إلى اليوم على عدة قواعد عسكرية في بعض بلدان الاتحاد بعد انهياره، إلا أنها انسحبت من قاعدة طرطوس عسكرياً، لتكون نقطة إمداد وصيانة لسفنها، واحتفظت كذلك بقاعدة "سيبستول" البحرية في البحر الأسود في شبه جزيرة القرم الأوكرانية.

ونشأت قاعدة طرطوس السوفيتية منذ أن وقعت سوريا اتفاقاً مع الاتحاد السوفيتي في عام 1971، خلال الحرب الباردة، وذلك لتكون دعماً ومركزاً لأسطوله في البحر المتوسط. في المقابل، كان الاتحاد السوفيتي يورد الأسلحة لسوريا، عبر ميناء طرطوس.

يذكر أنه كان للاتحاد قواعد مشابهة في مصر لكنهم أغلقوها في السبعينيات، وأرسلوا القطع والطواقم البحرية الخاصة بهم إلى ميناء طرطوس.

وظل الاتحاد السوفيتي يستخدم قاعدة طرطوس بموجب الاتفاق ومعاهدة الصداقة التي أجراها مع سوريا، إلى أن انهار الاتحاد وتفكك عام 1991. ورثت روسيا القاعدة بعد أن غادر أسطولها، وحولته لنقطة إمدادات ومساعدة تقنية، تاركة 50 بحاراً وعاملاً روسياً بها، تحت حماية الجيش السوري.

إلا أن العديد من المراقبين الغربيين قالوا إن طرطوس، لم تكن مجرد نقطة إمدادات روسية ذات أهمية استراتيجية فحسب، بل إن روسيا استغلتها بمثابة قاعدة أساسية للتجسس في الشرق الأوسط، وللحفاظ على وجودها في المنطقة.

إذاً، في طرطوس، التي تبعد 220 كيلومتراً عن دمشق، أسست روسيا لأحد أهم قواعدها العسكرية حول العالم، فكانت بمثابة موطئ قدم دائم لروسيا في البحر المتوسط، وأتاحت مراقبة المنطقة والتدخل في الشرق الأوسط عن قرب.

عادت العلاقات السورية الروسية إلى التقارب منذ عام 2006، فيما استمرت روسيا في توريد السلاح الأساسي لسوريا، وفي 2008 وافق الرئيس السوري بشار الأسد على اتفاقية لبناء قاعدة عسكرية بحرية روسية دائمة مجدداً في طرطوس.

وبعد التدخل الروسي في سوريا إبان "الربيع العربي"، ومساندته لنظام الأسد منذ عام 2012، نشرت روسيا قواتها بشكل واسع في سوريا، تمهيداً لاستعادة هيمنتها في المنطقة، لتوقع اتفاق قاعدة طرطوس الدائمة أخيراً مطلع العام 2017.

استغلت روسيا جيداً حاجة الأسد لحمايته من شعبه الذي ثار ضده، وكان لها أن سلمها كل سوريا، وما تحويل طرطوس إلى قاعدة إلا خير دليل عن التقديمات السخية التي حصلت عليها موسكو، والتي ساهمت في تمديد نفوذها، وتحويلها سوريا منطلقاً للتمدد في الشرق الأوسط من جديد.