من سجن صيدنايا.(أرشيف)
من سجن صيدنايا.(أرشيف)
الجمعة 10 فبراير 2017 / 20:17

صرختا قيصر وأمنستي على هامش مرسوم ترامب

صوت"قيصر": "أوقفوا القتل"، كحالة، وصوت أمنستي الصارخ في البرِّية، كمطالب بالعدالة، فكلاهما عبّرا عن "أرقام إنسانية" ماتت ظلماً

حدثان كبيران غير هامشيين يتم تداولهما هذه الأيام على نطاق عالمي، مرسوم ترامب في شأن منع رعايا سبع دول إسلامية من دخول الولايات المتحدة لفترة موقتة تمتد إلى 120 يوماً، ونتائج تقرير منظمة العفو الدولية في شأن شنق النظام الأسدي 13 ألف معتقل في سجن صيدنايا خلال خمس سنوات.

بعض التأمل يضع الحدثين في باب العادي حتى لو شكل صدمة "عالمية"، فما فعله ترامب بتوقيع المرسوم هو ما كان يفعله أوباما تماماً، لكن دون توقيع ودون ضجيج إعلامي. كما أن الرجوع إلى صور "قيصر" التي أكدت إعدام 11 ألف معتقل مدني في دمشق وحدها خلال أول ثلاث سنوات من الثورة السورية تجعل من حدث سجن صيدنايا الرهيب أمراً مسبوقاً.

وقيصر هو اسم مستعار لعنصر في الشرطة العسكرية في سوريا استطاع تهريب 55 ألف صورة تخص معتقلين تم تعذيبهم حتى الموت في معتقلات دمشق، وترصد المدة من ربيع 2011 حتى صيف 2014. بينما يتحدث تقرير منظمة العفو الدولية عن شنق النظام 13 ألف معتقل في سجن صيدنايا خلال خمس سنوات تنتهي بديسمبر 2016.

تقرير أمنستي موثق بالشهادات الضرورية حتى يكون قانونياً من وجهة نظر منظمة حقوقية دولية ذات خبرة في مجالها، مثلما تشكل صور قيصر وثيقة غير قابلة للدحض بوجود شهادة قيصر نفسه، مع شهادات آخرين، وبعد فحص صحة الصور بأساليب تقنية متوافرة للمتخصصين في هذا المجال.

كانت غاية قيصر في منتصف 2014 الحصول على دعم أمريكي، وأممي، وعالمي لسماع صرخته "أوقفوا القتل". نحن الآن في مطلع 2017 دون أن يتوقف القتل، وسط تأكيدات دولية ومحايدة عن وجود عشرات المعتقلات التي تستضيف ما لا يقل عن 200 ألف معتقل، وعدد مجمع من المعتقلين منذ 2011 يصل إلى بضع مئات الآلاف.

عدم سماع صرخة قيصر يعني بحساب اعتباطي أن العجز الدولي ساهم بشنق نصف عدد المعتقلين الذين تكلم عليهم تقرير أمنستي، وأن "المسلخ البشري" وهو عنوان تقرير المنظمة، يتوجه في مضمونه إلى الرأي العام الغربي، وربما العربي، كون السوريين لم ينسوا تاريخ مجازر نظام الأسديين، ولأن في ذاكرتهم عشرات المجازر منذ مجزرة حماة في شباط فبراير 1982 (العدد المقدر لقتلى حماة ما بين 20 ألف قتيل و40 ألفاً)، ومجزرة سجن تدمر التي قتل فيها نظام حافظ الأسد حوالي 800 سجين في ساعتين. هذا عدا عن مجزرة المشارقة في حلب، ومجازر جسر الشغور، وصولاً إلى عشرات المجازر في الهواء الطلق خلال ست سنوات شبه كاملة من عمر الثورة السورية، وأشهرها مجزرة الكيماوي في الغوطة الشرقية التي حصدت فجر 21 آب 2013 أرواح 1260 مدنياً، نصفهم أطفال ونساء، وهم نيام.

شنق 13 ألف معتقل ليس حدثاً هامشياً، لكن القائمين على العدالة الدولية هامشيون، والسوريون القائمون على السياسة السورية (المعارضة) هم هامشيون، وإلا ما كانت مجزرة الكيماوي مرت بالطريقة التي نعرفها جميعاً. كان ينقص هذا المجتمع الدولي أن يقدم جائزة للنظام الكيماوي كونه تخلى "طواعية" عن أكثر من ألف طن من مخزونه الكيماوي بصفقة أمريكية روسية أممية، وتصفيق إسرائيلي.

هنا، يمكن التذكير أن إحصائيات عدد القتلى في الحرب على سوريا شبه متوقفة منذ منتصف 2013. حتى أن تخمينات الأمم المتحدة وتقديراتها عن أعداد القتلى في سوريا توقفت منذ يوليو (تموز) 2013. وآخر تقديرات صادرة عن المنظمة الدولية قدرت عدد القتلى بـ 191 ألف قتيل حتى أغسطس (آب) 2013، معتذرة بعد ذلك عن نشر تقديراتها لصعوبات تتعلق بالتعقيدات المتزايدة للحرب المستمرة التي تتشارك فيها مئات المجاميع المسلحة على رقعة الأرض السورية الهائلة المساحة.

فإذا كان إحصاء عدد القتلى يشكل صعوبة تعجز عنه الأمم المتحدة، سيكون من المستحيل تقدير عدد المعتقلين، أو تقدير عدد القتلى نتيجة التعذيب في سجون سوريا السرية في معظمها، والمتزايدة خلال السنوات الست الماضية نتيجة حاجة النظام إلى مزيد من المعتقلات، واضطراره للتخلص من "المعتقلين الأخطر" لإفساح المجال لاستقبال مزيد من المعتقلين.

في نهاية تقرير أمنستي، توجهت توصيات التقرير إلى: مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة؛ مجلس الأمن؛ الجمعية العامة للأمم المتحدة؛ أعضاء المجموعة الدولية لدعم سوريا، ومبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا؛ المجتمع الدولي عموماً؛ السلطات السورية، دون توجيه الدعوة إلى جامعة الدول العربية، مثلاً، إلى دولة بعينها، مثل الولايات المتحدة الأمريكية.

في كل الأحوال، الجمع بين تلك المنظمات في توصيات أمنستي مبني على خطإ فاضح يجمع بين الأمم المتحدة ومنظمات داخلها، وبين "السلطات السورية"، فالأمم المتحدة ومنظماتها أعجز من القيام بأكثر من كلام إن لم تكن مدعومة بضمير يُخرس خمسة "فيتوات" في مجلس الأمن الدولي، بينما تواصل "السلطة الأسدية" تنفيذ الإعدامات. وحسب توصيات تقرير أمنستي: (رداً على سؤال يتعلق في ما إذا كانت الإعدامات مستمرة أم لا، قال موظف سابق في سجن صيدنايا: قطعاً، مازالت هنالك إعدامات، ولن تتوقف، وسيستمر التعذيب ما دام هنالك أناس يُزج بهمفي السجن، وستكون هنالك اعترافات تعقب التعذيب، وسيعقب الاعترافات إعدامات. مضيفاً أن الإعدامات تُنفذ في مراكز الاحتجاز الأخرى في سوريا، بما في ذلك في مقر المخابرات الجوية في المزة. وأوضح أنه شاهد غرفة الإعدام هناك أواخر العام 2012، حيث تم إعدادها "لتقليص حجم الضغط في صيدنايا نظراً لكثرة الإعداماتالتي تتم في ذلك السجن"..).

وللتذكير، فإن القانون المقارن يشير إلى أن العدالة واحدة في كل دول العالم، حتى لو حذفت بعض الدول عقوبة الإعدام، وأصرت دول أخرى على استمرار تطبيقها، أو تلطيفها من الشنق إلى الكرسي الكهربائي، أو الحقنة القاتلة. الفرق فقط هو في اقتراب نصوص القانون والعدالة من الواقع، أو ابتعادها عنه. والفيصل هو القاضي، واستقلال القضاء، والضمير الإنساني. في سوريا، هذه المفردات غير موجودة، وإن كانت الاستثناءات موجودة.

في أمريكا، تبدو مفاعيل مرسوم ترامب بشأن جدار الفيزا ضد رعايا دول إسلامية في طريقها إلى الزوال، على الأقل بمعناها العمومي، بعد تصدي القضاء للمرسوم، لكن ضمائر الـ"سي. آي. أي"، والـ"إف. بي. آي"، ستكون أمينة على تطبيق حذر أمريكا من الإسلاموفوبيا. وبالمناسبة، فالإسلاموفوبيا أقدم حتى من ظهور القاعدة، حتى لا يتم التذكير بأن داعش هي السبب في حذر أمريكا من المسلمين المتهمين بالتطرف.

أما صوت"قيصر": "أوقفوا القتل"، كحالة، وصوت أمنستي الصارخ في البرِّية، كمطالب بالعدالة، فكلاهما عبّرا عن "أرقام إنسانية" ماتت ظلماً. وللأسف، كلا الصرختين بلا أنياب، والعدالة لا تتحقق دون أنياب.