الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو.(أرشيف)
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو.(أرشيف)
الأحد 12 فبراير 2017 / 21:12

من عملية السلام إلى الصفقة

المُتوقّع أن يدخل تعبير "الصفقة" القريب من قلب ترامب ولغته، كدلالة تكميلية لتعبير "عملية السلام" التقليدي

يُنتظر أن يلتقي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو بالرئيس الأمريكي ترامب، وإدارته، في البيت الأبيض، يوم الأربعاء القادم، في زيارة هي الأولى بعد تسلّم الإدارة الجديدة مهامها في سدة الحكم. ومن غير المتوقع أن تُسفر الزيارة عن مفاجآت، أو نتائج، تختلف عن تلك التي تداولها المُعلّقون، في الأسابيع القليلة الماضية، بشأن العلاقات الإسرائيلية ـ الأمريكية.

فالوعود التي قطعها ترامب، في حملته الانتخابية، بشأن الاستيطان، ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس، خضعت لتعديلات مختلفة، وخُففت لهجتها بشكل ملحوظ. وهذا لا يعني، بالضرورة، التنصل منها، أو الانقلاب عليها، بل الرهان على عامل الزمن، ومحاولة إحداث قدر من التوازن للحيلولة دون إلحاق الضرر بالمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط، وزعزعة العلاقة بحلفاء تقليديين في الإقليم.

وكلمة السر في عملية التوازن هذه، وبقدر ما يتعلّق الأمر بالسياسة الأمريكية، تتجلى في العودة إلى تعبير "عملية السلام". وقد أصبح هذا التعبير قيد التداول منذ ما يزيد على العقدين، بعد توقيع اتفاقيات أوسلو بين إسرائيل ومنظمة التحرير، ولكن مضامينه الحقيقية تغيّرت مع مرور الأيام: من البحث عن حل دائم يضمن نهاية عادلة للصراع العربي والفلسطيني ـ الإسرائيلي، إلى إدارة للصراع بالمُسكّنات، لتصبح العملية نفسها غاية في ذاتها.

وبهذا المعنى، فإن ما صدر من كلام، في الأيام القليلة الماضية: مقابلة ترامب مع صحيفة "إسرائيل اليوم"، وتلميحات بعض مساعديه، عن "عملية السلام" في الشرق الأوسط، لا يتعدى حقيقة العودة إلى وصفة سياسية مُجرّبة، بدلاً من المجازفة بنقلة جديدة، غير مأمونة العواقب، على رقعة شطرنج الشرق الأوسط، خاصة وأن المسألة الفلسطينية لم تعد على سلّم الأولويات في ذلك المكان المُلتهب من العالم.

وإذا كان ثمة من جديد، في هذا الشأن، فمن المُتوقّع أن يدخل تعبير "الصفقة" القريب من قلب ترامب ولغته، كدلالة تكميلية لتعبير "عملية السلام" التقليدي. فرجل الأعمال، الذي يقطن البيت الأبيض، الآن، يؤمن بقدرته الخارقة على عقد الصفقات، ولا يرى في الممارسة السياسية أكثر من سلسلة متصلة من الصفقات، وقد سبق أن نشر كتاباً بعنوان "فن الصفقة" للتدليل على مهارته الخاصة في التعامل مع فن كهذا.
وهنا، بالذات، ينبغي تركيز الانتباه، ومراقبة ما سيتجلى في قادم الأيام بعناية خاصة. فترامب لم يتكلّم عن حل الدولتين، بل أصدر إشارات غامضة بشأن "صفقة" تتجاوز المسألة الفلسطينية نفسها، وتتصل بتسوية إقليمية شاملة، لا يبدو أن حل الدولتين من ركائزها الأساسية.
لا تبدو معالم "الصفقة" الجديدة واضحة حتى الآن. وربما لم تتضح بعد في ذهن ترامب نفسه. وهذا ما لا يمنح أحداً من الأطراف الإقليمية والدولية قدراً كبيراً من الثقة بشأن خطواته السياسية القادمة، التي يصعب التنبؤ بها، هذا من ناحية. ومن ناحية ثانية، ليس في العودة إلى تعبير "عملية السلام"، ودلالته التكميلية، أي "الصفقة"، في عهد الإدارة الجديدة، ما يبرر الكلام عن خيبة أمل خاصة في إسرائيل بعد تعديل وتخفيف الوعود التي أطلقها ترامب في حملته الانتخابية.
فإدارة الصراع بدلاً من حله تنسجم مع سياسة الحكومة الإسرائيلية. وبين مؤيدي إسرائيل في إدارة ترامب، وفي اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة (وحتى في إسرائيل نفسها) من يعتقد أن مسألة الاستيطان، ونقل السفارة، ليست على رأس سلم الأولويات السياسية والاستراتيجية لإسرائيل. فالمسألة الأهم تتمثل في مجابهة المشروع النووي الإيراني، وإعادة ترتيب ميزان القوى في الشرق الأوسط، بعد كل ما طرأ عليه من تبدلات وانهيارات على مدار السنوات الخمس الماضية.
وبهذا المعنى، فإن الكلام عن "عملية السلام"، و"الصفقة" سيظل مُفيداً للإسرائيليين والأمريكيين طالما بقيت إدارة الصراع، بدلاً من حله، غاية في ذاتها. فمعالم الشرق الأوسط، وموازين القوى، لم تتضح بصورة حاسمة بعد.